يعد جون لوك، أحد أعظم الفلاسفة الإنجليز فى أواخر القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر، وأحد الذين أسسوا أن معرفَتَنا تنشأُ من الخبرات الحسية وتصل إلينا فى الأساس عن طريق الحواس؛ فى عمله الرائعِ «مقال فى الفهم البشرى»، لكن رسالةَ هذا العملِ أُسِىء فهمها على نحو غريب.
ومن الكتب التى حاولت توضيح أفكار ورؤى الفيلسوف الراحل "جون لوك: مقدمة قصيرة جدا"، والذى يوضح أن جون دَن كيف وصلَ لوك إلى نظريته بشأن المعرفة، وكيف أن شرحَه لقِيَم التسامُح الليبرالية والحكومة المسئولة قد شكل أساس الفكر الأوروبى المستنير فى القرن الثامن عشر.
ويرى المؤلف أن جون لوك وجه حياته الفكرية بوجه عام للإجابة عن سؤالين مهمين: كيف يمكن للإنسان معرفة أى شيء؟ وما شكل الحياة التى ينبغى أن يسعى الإنسان إلى عيشها؟ استهل لوك حياته المهنية كمدرس فى الجامعة وأنهاها كرجل محنك عركته الحياة، وخلال هذه الحياة، فكر — بل أمعن التفكير أيضًا — فى مجموعة هائلة من القضايا؛ بدءًا من آفاق التجارة الخارجية الإنجليزية، والعواقب الاقتصادية المترتبة على حالة العملة الإنجليزية، ووصولًا إلى سياسة الثورة فى ثمانينيات القرن السابع عشر، وتفسير رسائل القديس بولس، وزراعة أشجار الفاكهة، ولأن اهتمامات لوك كانت واسعةَ النطاق للغاية، ولأنه باشرها بقدر كبير من الذكاء والحماس.
وبحسب الكتاب شهد أيضا عام ١٦٦٠ إعادة تشارلز الثانى أخيرا إلى العرش الإنجليزى، بعد مرور ١١ عامًا على محاكمة والده وإعدامه، حينما عاد إلى إنجلترا من منفاه عاقدا العزم على عدم مواصلة ترحاله وسفرياته مجددا، خلال العشرين عامًا السابقة على ذلك، سعت سلسلةٌ من الحكومات الإنجليزية المتعاقبة إلى فرض مجموعة كبيرة من الممارسات الدينية على رعاياها المتمردين، وهو ما كان يثير دائمًا الاستياء لدى الكثيرين ويلقى استحسانا عادة لدى قلة محدودة للغاية. وطالما كان الاضطراب السياسى والصراع الدينى متلازمَين على نحو معقَّد، تاركَين الأغلبية العظمى من الأمة منهكةً من النزاعات المستمرة، ومتعطشةً للسلام والاستقرار. مما لا شك فيه أن مقالَى لوك يعكسان ما كانت عليه الأجواء خلال هذا العام، ويتصدَّيان لمسألةٍ طالما كانت محورَ الجدل الدينى والسياسى فى العقود العاصفة التى أفرزت تلك الأجواء. ومع أن تفاصيل الحُجج التى ساقها فى كلا المقالين لم تكن ذات أهمية كبرى، فمن المهم أن نفهم الملخص الرئيسى للمسألة التى عالجاها، وأن نحدد الصعاب التى كانت تمثِّلها هذه المسألةُ بالنسبة إلى لوك الشاب.
