تمر، اليوم، الذكرى الـ145 على قيام الخديوى إسماعيل ببيع أسهم مصر فى قناة السويس لبريطانيا، وكان عدد الأسهم مائة وسبعين ألف سهم، وذلك فى 25 نوفمبر عام 1875.
وكان بيع أسهم القناة، نتيجة تفاقم الوضع المالى المتردى بانخفاض شديد فى سعر القطن، بسبب استعادة إنتاج القطن فى الولايات المتحدة عافيته بعد الحرب الأهلية (1862–1865)، وحينها، بدأت فكرة بيع أسهم من قناة السويس تساور الخديوى إسماعيل.
فى أوائل نوفمبر سنة 1875، كان الخديوى موجودا فى باريس آنذاك، علم أحد الماليين المخضرمين هناك، يدعى إدوارد درفيو، الحالة المالية فى مصر، فأرسل الخبير المالى الفرنسى إلى أخ له فى الإسكندرية، يدعى مسيو أندريه، وطلب منه أن يعرض على الخديو بيع أسهم مصر فى القناة، وأخبره أيضا بأنه مستعد إذا قبل الخديو البيع أن يجد المشترى لها فى باريس.
وبالفعل طرح الخديوى إسماعيل في عام 1875، الأسهم التى تمتلكها مصر في قناة السويس، 44% من إجمالى الأسهم، للبيع من أجل تجنب خطر الإفلاس، وقد اشتراها على الفور رئيس الوزراء البريطانى، بنيامين دزرائيلى، الذى حصل على قرض قدره 4 ملايين جنيه إسترلينى من بنك عائلة روتشيلد، من أجل شراء هذه الأسهم دون إخبار البرلمان أولا.
ووفقا للسفير الأسبق محمد الشاذلى، فى مقال له بعنوان "يوم بيع أسهم قناة السويس" فإنه كان قد تم تحديد قيمة الأسهم المطروحة للاكتتاب فى الشركة العالمية لقناة السويس بـ200 مليون فرنك، إلا أن ديليسبس رغم الجهد الذى بذله لم ينجح إلا فى جمع 112 مليون فرنك، فقام بدون توكيل من سعيد باشا والى مصر أو حتى إخطاره بالاكتتاب فى 88 مليون فرنك باسم سعيد، وعندما اعترض على ذلك هدده بأن نابليون الثالث مهتم بإنجاح المشروع وإن اعترض سيتعرض لغضب فرنسا وستقام ضده دعاوى تعويض تكلفة أضعاف هذا المبلغ. وبحسبة بسيطة نجد أن الـ88 مليون فرنك التى اشتراها ديليسبس باسم سعيد تحتل وحدها 44% من حصة أسهم القناة، أى أن ما اكتتب فيه الخديوى بداية والأرض والعمل وترعة المياه العذبة كلها لم تحسب لصالح مصر.
ومع تردى أوضاع الخديوى استنفر سماسرة المال فى أوروبا كالعقبان التى تنتظر وقوع الفريسة لالتهامها، كان ضمنهم سمسار اسمه إدوارد درفيو له أخ مقيم بالإسكندرية اسمه أندريه درفيو كلفه بأن يجس نبض اسماعيل بشأن بيع أسهم القناة، فتعلق إسماعيل بالعرض تعلق الغريق بالقشة، وفى اليوم الأسود المشهود يوم 25 نوفمبر 1875 تمت الصفقة المشئومة وباع إسماعيل 170 ألف سهم تمثل 44% من جملة أسهم شركة قناة السويس إلى بريطانيا مقابل 3,976,582 جنيه استرلينى ووقع عقد البيع عن مصر اسماعيل صديق باشا المعروف باسماعيل المفتش وعن بريطانيا الجنرال ستانتون قنصل بريطانيا فى مصر.
وبحسبة بسيطة نجد أن ما دفعته مصر من تعويض طبقا لحكم نابليون الثالث 3 ملايين و800 ألف إضافة إلى ما تحمله سعيد للاكتتاب فى الأسهم الذى يزيد كثيرا عما تقاضاه إسماعيل مقابل الأسهم التى باعها، أى أنها كانت صفقة خاسرة.
وبذلك تكون مصر قد استفادت من القناة فترة لا تتجاوز سبع سنوات منذ افتتاحها سنة 1868 إلى أن باع اسماعيل حصتها سنة 1875، فبقى لمصر بعد بيع الأسهم 15% من الأرباح كحق للدولة رهنها اسماعيل للمرابين ثم باعها توفيق لاحقا فلم يبق لمصر أى حقوق فى القناة التى بذلت المال والدم من أجل بنائها.