صدر مؤخرًا للكاتب الصحفي خيري حسن، كتاب "يا صاحب المدد"، عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع، يتناول الكتاب الذي كتبت فوق غلافه عبارة "سيرة شاعر ومسيرة وطن"، أزمة طالما شغلت الكاتب في الآونة الأخيرة وأصر على التنقيب في زواياه حتى استطاع أن يصل الى جلاء الحقيقة وأصلها.
حيث يطرح الكتاب قضية نسب كلمات أغنية " شدي حيلك يا بلد" والتي كتبها الشاعر زكي عمر وطرحت كمسرحية غنائية في الستينيات، وتم إلصاقها كذبا لآخر، ويسوق الكاتب عبر صفحات كتابه الأدلة التاريخية والمنطقية مستشهدا بأخبار وكتب تثبت نسب الكلمات لزكي عمر، كما يستشهد بشهادات من عاصروا الشاعر وتلك الأزمة.
ويقول الكاتب "إن سرقة كلمات [مدد.. شدي حيلك يا بلد] من شاعرها الأصلي زكي عمر {1938 - 1987} جريمة لم تنته عند هذا الحد؛ بل إنها امتدت إلى اختفاء أو -إن شئت الدقة- سرقة المسرحية كلها [النص نفسه] من المركز القومي للمسرح، والمنوط به- بالأساس- حفظ تراثنا المسرحي عبر تاريخه القديم والحديث! [ألا يكفي "جراد الذاكرة" الذي خرج علينا من شقوق الأرض، وهجم، ونبش، وخطف، وسرق - تراثنا السينمائي من قبل.. ألا يكفه تلك الجريمة، فذهب - أو ذهب أعوانه - ليسرق تراثنا المسرحي عن نصر أكتوبر]!
لقد ذهبتُ إلى المركز الكائن فى حي الزمالك وسط القاهرة، وبحثتُ عن مسرحيتي [الشرارة - ومدد شدي حيلك يا بلد] للشاعر الراحل زكي عمر {اليوم ذكري ميلاده} ضمن أرشيف المركز، فوجدت جميع مسرحيات نصر أكتوبر موجودة فى الأرشيف؛ باستثناء مسرحيتي زكي عمر! لقد اختفى العملان رغم أن المركز في عام 2015 أصدر كتاباً - أو كُتيباً - عنوانه سلسلة (مسرحيات أكتوبر) به كلمة لوزير الثقافة ـ حينذاك ـ حلمى النمنم، وكلمة للمخرج خالد جلال، يتحدثان فيهما عن قيمة، وأهمية، وحتمية، هذا المشروع لحفظ تراثنا المسرحي لنصر أكتوبر. المؤلم، والمحزن، فى الأمر إنني، وجدت بين صفحات الكتاب اسمي المسرحيتين، ضمن أسماء النصوص التي يتحدثان عنها، لكن في الواقع لا وجود لهما. وبعد عدة ساعات، تنقلت من مكتب إلى آخر.. ومن الدور الأرضي إلى الدور الأعلى.. أسأل، وأبحث، وأفتش عن مسرحية
(مدد..شدي حيلك يا بلد) لكنني لم أجد لها أثر! وهذه المسرحية تحمل اسم مؤلفها، وكاتبها، وشاعرها الأوحد "زكي عمر" والتى تقاضي عليها من وزارة الثقافة عام 1973 مبلغ 36 جنيهاً، كأول مسرحية انطلقت لتساند جنودنا على الجبهة، وهذا باعتراف الفنانة القديرة سميحة أيوب نفسها فى تصريح لها مع الزميل محمد عبد الفتاح نُشر فى صحيفة المساء بتاريخ 15 ديسمبر 1973 قالت فيه: "لولا [مسرحية.. مدد] التى جُهزت فى ثلاثة أيام لاضطررنا إلى إغلاق المسرح"! لقد جاءت أشعار زكي عمر الحماسية، الصادقة، فى هذا النص، كأول عمل قُدم عن العبور. وتم عرضه ليلة 13 أكتوبر 1973على خشبة المسرح. وهذا كله يُثبت الجريمة ولا ينفيها!
ويتساءل "خيرى" فهل كان الوزير "النمنم" والمخرج "جلال" يعرفان بهذه الكارثة؟ أنا لا أعتقد ذلك، إذن هل تم توريطهما فى الأمر لدرجة أنهما يكتبان مقدمتين لكتاب يضم بين أوراقه مسرحيات سُرقت أو اختفت بفعل فاعل؟! ربما..! إن جريمة سرقة تراثنا المسرحي ـ وهو ليس أي تراث ـ يجب ألا تُمر دون مساءلة، أو تحقيق أو توضيح من وزارة الثقافة نفسها.لقد سُرقت كلمة المقاومة، والتضحية، والفداء، والنداء التى كانت تساند الجنود على الجبهة، لذلك يجب على وزارة الثقافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وقطاعات المسرح، تشكيل لجنة تحقيق مشتركة، يُستدعى لها كل مسئول شارك بالفعل أو بالجهل أو بالصمت على هذه الجريمة التي لا تسقط بالتقادم. ومن المؤكد أن هذا الاختفاء أو هذه السرقة.. قد تمت ـ بمنطق الأشياء ـ ليتم التغطية على الجريمة الأولى الأصلية التى وقعت لكلمات "مدد.. شدي حيلك يا بلد" وشاعرها زكي عمر بعدما تم تحجيمه، وتهميشه، واستبعاده، واعتقاله، وقهره، وطرده، خارج الوطن فى عهد الرئيس السادات، ليعيش مهاجراً حتي موته غرقاً عام 1987 فى مياه بحر العرب بدولة اليمن.
وهذه الواقعة - جريمة اختفاء النصوص أو سرقتها من مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة المصرية - ليست جريمة فى حق الشعر والشاعر فقط؛ ولكنها جريمة فى حق الوطن والمواطن!