"زنديق كافر وإباحيا فاسقًا فاجرًا" تلك هى الألفاظ التى نالت من المفكر قاسم أمين، بعد إصداره كتابه الأول "تحرير المرأة" فى عام 1889م، والذى أشعل نيران الغضب بين بعض أطياف المجتمع حيث قال إن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة للسفور ليست خروجًا عن الدين، فهل كان يقصد قاسم أمين بالفعل ما قاله وهوالذى تحل اليوم ذكرى ميلاده، إذ ولد فى مثل هذا اليوم ذلك؟.
يقول الكاتب والمفكر الراحل محمود عوض فى كتابه " أفكار ضد الرصاص" إن قاسم أمين فى كتاب "تحرير المرأة" يقول : إننى لا أزال أدافع عن الحجاب واعتبره من أصول الأدب التى يلزم التمسك بها، غير أنى أطلب أن يكون منطبقًا على ما جاء بالشريعة الإسلامية.
وأوضح محمود عوص، أن قاسم أمين لم يهاجم الحجاب، بل دافع عنه، لم يطلب نزعه، بل طلب استمراره لم يناد بإلغائه، بل بمجرد التخفيف منه، ولكن هذا لم يمنع الجمهور من اعتباره "إباحيًا فاسقًا فاجرًا"، ولم يمنع الصحف من إطلاق صفات كثيرة عليه أخفها أنه "زنديق كافر، متساهل فى عرضه وشرفة".
وبعد صدور الكتاب تفجرت خصومة بين قاسم أمين وطلعت حرب، ظهرت عام 1889، بعد صدور كتاب الأول "تحرير المرأة" فرد عليه طلعت حرب بكتاب "تربية المراة والحجاب"، فجاء فى الكتاب الأخير أن الناس يرفضون أفكار قاسم أمين لأن رفع الحجاب والاختلاط أمنية تتمناها أوروبا منذ قديم الأزل لهزيمة مصر من خلال تحرر نساؤها، وتابع طلعت حرب فى كتابه قائلا: "أسمينا الكتاب تربية المرأة والحجاب، وهو اسم كنا نتمنى أن يجعله حضرة قاسم بك أمين عنوانا لكتابه فإنه أليق من اسم تحرير المرأة".وساند "حرب" فى خصومته لقاسم، الزعيم مصطفى كامل حيث أثنى عليه فى مقال له فى جريدة اللواء عام 1900.
ولد "أمين" فى بلدة طرّة بمصر فى 1 ديسمبر 1863م من أب تركى وأم مصرية من صعيد مصر، وتلقى تعليمه الابتدائى فى مدرسة طارق بن زياد التى كانت تضم أبناء الطبقة الارستقراطية.
انتقل مع أسرته إلى القاهرة وأقام فى حى الحلمية الأرستقراطى وحصل على الثانوية العامة فالتحق بمدرسة الحقوق والإدارة ومنها حصل على الليسانس عام1881، ولعل هذه التربية والبيئة التى نشأ وسطها هى التى جعلت نظرته مختلفة للمرأة وحقوقها ودورها فى المجتمع.
كان أول متخرج وعمل بعد تخرجه بفترة قصيرة بالمحاماة ثم سافر فى بعثة دراسية إلى فرنسا وانضم لجامعة مونبلييه وبعد دراسة دامت أربع سنوات أنهى دراسته القانونية بتفوق عام1885، وأثناء دراسته بفرنسا جدد صلاته مع جمال الدين الأفغانى ومدرسته حيث كان المترجم الخاص بالإمام محمد عبده فى باريس.
عاد قاسم من فرنسا بعد أن قضى فيها أربع سنوات يدرس بها المجتمع الفرنسى، واطلع على ما أنتجه المفكرون الفرنسيون من مواضيع أدبية واجتماعية، وراقت له الحرية السياسية التى ينعم بها أولاد الثورة الفرنسية فأقام مبدأ الحرية والتقدم على أسس من الثقافة المسلمة وكان من المؤيدين للإمام محمد عبده فى الإصلاح، ورأى أن الكثير من العادات الشائعة لم يكن أساسها الدين الإسلامى.
كان يرى أن تربية النساء هى أساس كل شىء، وتؤدى لإقامة المجتمع المصرى الصالح وتخرج أجيالاً صالحة من البنين والبنات، فعمل على تحرير المرأة المسلمة، وذاعت شهرته وتلقى بالمقابل هجومًا كبيرًا فاتهمه مهاجموه بالدعوة للانحلال.