نقرأ معا كتاب "نساء العالم كما رأيتهمن" للكاتب محمد ثابت، الذى قام برحلات عدة، وقد صاغ هذا الكتاب عن صورة المرأة فى هذه البلدان، وصدر الكتاب فn الأربعينيات من القرن العشرين، ونتوقف مع صورة المرأة الإيطالية.
يقول الكتاب تحت عنوان "إيطاليا":
لعلَّ أخص صفة تُوصَف بها السيدة الإيطالية فى حبها لزوجها، فهى تفضله على أبنائها وبناتها، عكس جارتها الإسبانية التى تعرف أنها أمٌّ مخلصة لبنيها أولًا، هذا وتمتاز الإيطالية أيضًا بفرط صراحتها، والطليانية خمرية اللون، باسِمة الثغر، غير متكلَّفة، رشيقة، هادئة، رزينة، نظيفة، نشيطة، تقوم عند الفجر وتتعهَّد منزلها، وعند الظهيرة تنزع إلى السكون والراحة، على أن الهرم يُعاجلها قبل الأوان كسائر نظيراتها من نساء بلاد البحر الأبيض، ولعلَّ سبب ذلك تبكيرها بالزواج وباحتمال مهامِّ الأسرة وهى فى سنٍّ صغيرة؛ لذلك سرعان ما يمتلئ جسمها وتميل إلى القعود وقلة الحركة، ومن المزايا الواضحة فيهن حبهن للفنون وبخاصة الموسيقى والغناء، فقلَّما ترى سيدة لا تجيدهما.
حللت بلاد إيطاليا، فبدا نساؤها نصف متحجبات، خصوصًا فى الريف، ولا يُكثرن من الخروج بعيدًا عن دورهن؛ فهُنَّ أشبهُ بالشرقيَّات، وسلطة الأزواج عليهن ملموسة، ويشتغلن مع الرجال فى الحقول، ويحملن على رءوسهن أثقالًا مُرهِقة ويَسِرن بها بعيدًا، ويزيد ذلك وضوحًا فى جنوب إيطاليا؛ حيث أجسامهن أقرب إلى السِّمنة والامتلاء، واللون أسمر لا يكاد يفترق عن لون فتياتنا. أما نساء الشمال فأكثر جمالًا وتهذيبًا، وكأنى بجمال مدينة البندقية وروعة مناظرها فى قنواتها وقناطرها قد انعكس على نسائها، فأكسبَهنَّ جمالًا مقطوع النظير، وميَّزهن بالأبهة فى المظهر، والصفاء فى البشرة، والقوم الممشوق، والمشية الرشيقة.
فالبيئة المائية تضطرهن إلى المشى إذا ما نزلن عن تلك الزوارق النحيلة (الجوندولا)؛ إذ ليس ثَمة مِن مطية أخرى تركبها فى الأزِقَّة الضيقة بين القنوات العدة. ويُقال إن كثرة ركوبهن تلك الزوارق ونزولهن الدَّرَج الرخامى المتعدد طيلة اليوم هو الذى أكسبَهن تلك الخفة فى حركة الأقدام، والرشاقة فى الانتقال، تلك التى امتَزْنَ بها على سائر نساء العالم. وهن لا يعجلن بالامتلاء فى أجسامهنَّ كسائر أهل إيطاليا بفضل تلك الرياضة التى جاءتها عن طريق المشى وركوب البحر. وكانت العادة إلى عهدٍ قريب فى البندقية أن الخطيب يُباح له أن يخالط خطيبته ستة شهور كتجرِبة، فإن وافقَتْه تم الزواج، وإلَّا انصرف كلٌّ إلى سبيله. ويُعرف أهل الريف من الإيطاليِّين بحبهم الشديد للرقص بأنواعه، ومن أطرفه رقصة «التارانتيلا» فى ريف نابُلي، وهى رقصة ثلاثية، أى من ثلاث بنات فى دائرة مُشتبكة الأيدي، وتبدأ بطيئة، ثم تأخذ فى سرعة الدوران تدريجيًّا، حتى تنتهى بحركة تكاد تكون جنونية، ويصحبها ضرب الدف أو الصنج.