البداية كانت معا، شهدا نفس المصير، جمعهم "الملجأ" وحياة اليتم والفقر، لكن كل منهما اختار طريقه بعد ذلك، فلم يلتقيا أبدا فكريا، هذه الكلمات ربما تنطبق تماما على علاقة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وأبو النجوم شاعرنا الكبير أحمد فؤاد نجم، وتمر اليوم ذكرى رحيل "الفاجومى" الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، الذى غاب عن عالمنا فى مثل هذا اليوم من عام 2013، عن عمر يناهز 84 عاما، لكنه يبقى خالدًا وباقيًا فى وجدان محبيه، وقصائده حية فى وجداننا جميعا.
ولد أحمد فؤاد نجم فى 23 مايو 1929، فى قرية كفر أبو نجم بمدينة أبو حماد محافظة الشرقية، حيث كان ضمن سبعة عشر ابنًا، والتحق بعد ذلك بكُتاب القرية كعادة أهل القرية فى تلك الفترة الزمنية، وبعد وفاة والده انتقل إلى بيت خاله حسين بالزقازيق، ليلتحق بعدها بمدرسة عبدالعزيز رضوان التى كانت ملجأ ومدرسة فى الوقت نفسه، ليقيم هناك.
إقامة نجم فى ملجأ عبد العزيز رضوان كانت سببًا فى أن يلتقى بعبد الحليم شبانة ويكبرا سويًا، وهو الذى أصبح مع مرور الزمن عبد الحليم حافظ، واحد من أشهر المطربين فى تاريخ الوطن العربي.
عبد الحليم حافظ كان يذهب إلى ملجأ عبدالعزيز رضوان، بسبب أنه كان المكان الوحيد فى الزقازيق حينها الذى يعلم الغناء ويضم آلات موسيقية، إذ هوى عبد الحليم حافظ الغناء منذ صغره، ليتردد على الملجأ الذى كان محل إقامة "الفاجومي" أحمد فؤاد نجم.
ويروى نجم تفاصيل نشأته مع عبد الحليم حافظ فى حوار قديم أجراه، قائلًا: "بخجل من نفسى جدًا لما بتذكر إنى كنت برتكب حماقة شديدة جدًا بإنى بقف أغنى مع عبد الحليم".
وأضاف: "كنت بغنى قصاده، وبنافسه وبنبقى إحنا الاتنين رأس براس، ماتفهمش جرأة الجاهل دى كنت جايبها إزاى"، متابعًا: "خصوصًا وهو صغير كان صوته جميل جدًا وقريب من صوت المطربة فيروز، أجمل حتى من صوته وهو كبير".
وفسر نجم سبب خروج عبد الحليم حافظ من الملجأ قائلًا: "وقع من فوق الملجأ لأنه كان شيطانا وهو صغير، ضهره اتكسر وانتقل للمستشفى، وبعدها انتقل إلى القاهرة ودخله أخوه المعهد الموسيقي".
ومرت الأيام وأصبح "شبانة" هو العندليب حليم، الذى ملأ العالم بأغانيه الرائعة، وخلد اسمه فى سماء الفن الواسعة، وأصبح فؤاد نجم، الشاعر المناضل، الذى انتقد الحكومات والحكام بكلماته وقصائده الساخرة اللاذاعة، ويبدو أن الاثنين لم يتقابلا سويا أو يتقبلا العمل معا أبدا.
وبحسب كتاب "عبد الحليم حافظ: العندليب الأسمر" للكاتب بيجاد سلامة، فإن "حليم" كان يرفض العمل مع اليسار المصرى، وتجلى رفضه لعمل كل من أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، ومزق سيناريو فيلم "وتمضى الأيام" الذى كتب له السيناريو يوسف شاهين، لمجرد أن قام الأخير بإضافة شخصيتين هما أصدقاء البطل ولهما تأثير كبير عليه أحدهما شاعر شعبى اسمه أحمد فؤاد نجم والآخر مغنى أعمى اسمه الشيخ إمام، وانطلق حينها "حليم" يمزق السيناريو قائلا "جايبلى –يقصد يوسف شاهين- اثنين شيوعيين يعلمونى الوطنية".