نواصل قراءة معركة بدر حسبما وردت في التراث الإسلامي، متوقفين عند التفاصيل لأهميتها الكبرى خاصة في هذه المعركة المهمة، فما الذى يقوله التراث الإسلامي في ذلك؟
يقول كتاب "البداية والنهاية" لـ الحافظ ابن كثير:
قال ابن إسحاق: ومضى رسول الله ﷺ حتى سلك فى حرة بنى حارثة، فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله، فقال رسول الله ﷺ لصاحب السيف: "شم سيفك - أي: أغمده - فإنى أرى السيوف ستسل اليوم".
ثم قال النبى ﷺ لأصحابه: "من رجل يخرج بنا على القوم من كثب - أى: من قريب - من طريق لا يمر بنا عليهم".
فقال أبو خيثمة أخو بنى حارثة بن الحارث: أنا يا رسول الله، فنفذ به فى حرة بنى حارثة، وبين أموالهم حتى سلك به فى مال لمربع بن قيظى، وكان رجلا منافقا ضرير البصر، فلما سمع حس رسول الله ومن معه من المسلمين قام يحثى فى وجوههم التراب، ويقول: إن كنت رسول الله فإنى لا أحل لك أن تدخل فى حائطى.
قال ابن إسحاق: وقد ذكر لى أنه أخذ حفنة من التراب فى يده، ثم قال: والله لو أعلم أنى لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله ﷺ: "لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر".
وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بنى عبد الأشهل قبل نهى رسول الله ﷺ فضربه بالقوس فى رأسه فشجه، ومضى رسول الله ﷺ حتى نزل الشعب من أحد فى عدوة الوادى وفى الجبل، وجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال: "لا يقاتلن أحد حتى أمره بالقتال".
وقد سرحت قريش الظهر والكراع فى زروع كانت بالصمغة من قناة كانت للمسلمين، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله ﷺ عن القتال: أترعى زروع بنى قيلة ولما نضارب؟
وتعبأ رسول الله ﷺ للقتال وهو فى سبعمائة رجل، وأمر على الرماة يومئذ عبد الله بن جبير أخا بنى عمرو بن عوف، وهو معلم يومئذ بثياب بيض، والرماة خمسون رجلا فقال: "انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك".
قال ابن إسحاق: وظاهر رسول الله ﷺ بين درعين، يعنى لبس درعا فوق درع، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخى بنى عبد الدار.
قلت: وقد رد رسول الله ﷺ جماعة من الغلمان يوم أحد فلم يمكنهم من حضور الحرب لصغرهم، منهم: عبد الله بن عمر، كما ثبت فى الصحيحين قال: عرضت على النبى ﷺ يوم أحد فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازنى.
وكذلك رد يومئذ أسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، والبراء بن عازب، وأسيد بن ظهير، وعرابة بن أوس بن قيظى، ذكره ابن قتيبة، وأورده السهيلى.
وكان قد رد يومئذ سمرة بن جندب، ورافع بن خديج، وهما ابنا خمس عشرة سنة، فقيل: يا رسول الله إن رافعا رام فأجازه، فقيل: يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا فأجازه.
قال ابن إسحاق، وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبى جهل بن هشام، وقال رسول الله ﷺ: "من يأخذ هذا السيف بحقه" فقام إليه رجال فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بنى ساعدة فقال: وما حقه يا رسول الله؟
قال: أن تضرب به فى العدو حتى ينحنى.
قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه إياه.
هكذا ذكره ابن إسحاق منقطعا.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد وعفان قالا: حدثنا حماد هو ابن سلمة، أخبرنا ثابت عن النبى ﷺ أن رسول الله ﷺ أخذ سيفا يوم أحد فقال: "من يأخذ هذا السيف؟"
فأخذ قوم فجعلوا ينظرون إليه، فقال: "من يأخذه بحقه" فأحجم القوم فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين.
ورواه مسلم عن أبى بكر عن عفان به.
قال ابن إسحاق: وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكان له عصابة حمراء يعلم بها عند الحرب يعتصب بها، فيعلم أنه سيقاتل.
قال: فلما أخذ السيف من يد رسول الله ﷺ أخرج عصابته تلك فاعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصفين.
قال: فحدثنى جعفر بن عبد الله بن أسلم - مولى عمر بن الخطاب - عن رجل من الأنصار من بنى سلمة قال: قال رسول الله ﷺ حين رأى أبا دجانة يتبختر: "إنها لمشية يبغضها الله إلا فى مثل هذا الموطن".