لم أنظر إلى يوم اللغة العربية على أنه مجرد يوم احتفالى ينقضى بغروب شمسه، بل رأيته مجرد مناسبة أو تذكرة تحفزنا إلى دوام التأمل فى علاقتنا بلغتنا، وما صارت إليه الآن من هوان على أيدينا!، هكذا عبر الشاعر الكبير الدكتور حسن طلب، على يوم اللغة العربية الذى يحتفل به كل عام من الشهر الحالى ديسمبر وبالتحديد يوم 18 منه.
ويقول الدكتور حسن طلب، على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى :"لكم شغلنى سؤال اللغة لا باعتبارها مجرد أداة تواصل اجتماعى، بل باعتبارها حاملة للقيم وترجمانا للهوية، فلا يستطيع المرء أن يتركها تحتضر على ألسنة ذويها؛ ولا أن يقايض بها فى سوق العصر ليلحق بركب الحضارة! إلا إذا استطاع أن يدع طفلته ويلقى بأهله وذويه إلى الجحيم، ثم ينتحر! ولعل هذا هو ما عبر عنه المقطع التالى من قصيدة (زبرجدة الخازباز)، التى أحسن قراءتها من نظر إليها ببصيرة نقدية ثاقبة من كبار النقاد والشعراء؛ وأذكر منهم الدكتور بهاء مزيد عميد كلية الألسن بجامعة سوهاج؛ والدكتور سعيد شوقى رئيس قسم اللغة العربية بآداب المنوفية الذى خص القصيدة بدراسة مبتكرة موسعة صدرت فى كتاب مستقل؛ وقبلهما رفيق الدرب: حلمى سالم تغمده الله برحمته:-
لا بدَّ مِن شىْءٍ حقيقِىٍّ قَوىٍّ لا يكونُ كمِثلِهِ شىْءٌ!
فماذا يَستطِيعُ الآنَ هذا البَلغَمِىُّ؟
يُمَحْوِرُ الرُّؤْيا.. ويُعطِى الأَولوِيَّةَ لِلثقافَةِ؟
هل يُجرِّبُ حِيلَةً أُخرَى لفَكِّ الرَّمزِ
يَخلُقُ مَنهَجًا حُرًّا لِتأويلِ المَجازْ؟
أيُؤلِّبُ الفُصحَى لِتخرُجَ مِن مَعاجِمِها
إلى نَظريَّةِ الكَمِّ الجَديدَةِ.. أو إلى عِلمِ التَّفاضُلِ
كىْ تُقايِضَ مَن تَشاءُ: بِضاعَةً بِبضاعةٍ!
فبِحَرفِ حتّى: مَعمَلَ الكِيمياءِ.. بالنَّعْتِ: الفِلِزَّ
بخَمْسةِ الأسماءِ: عِلمَ وظائفِ الأعضاءِ!
بالمُترادِفاتِ: مُفاعِلاتِ الذَّرَّةِ.. الآلاتِ: بالعِلَلِ
المَصانِعَ: بالمُضارعِ والمُضافِ إليهِ والمَجْرورِ!
بالجَزْمِ: الجُيولُوجيا
بِلامِ النَّصْبِ أو واوِ المَعِيَّةِ أو أداةِ النَّهْىِ:
هَندسَةَ القُوَى!
بِعلامَةِ التَّأنيثِ: دَرْفلَةَ المَعادِنِ.. بالمُعلَّقَةِ: الجِهازْ!
لا بُدَّ مِن حَلٍّ جَرِىءٍ خازِبازِىٍّ
يَجِىءُ بأَحْوَزِىٍّ.. حيثُ يَذهبُ بانتِهازِىٍّ
يُعَرِّى كلَّ ذِى زِىٍّ
لِيَعرِفَ مَن يُريدُ: حقيقةَ الوَطنِىِّ.. والجاسوسِ
والسَّلَفىِّ والسِّمسارِ.. والثَّورِىِّ والنَّهَّازْ!
لا بدَّ منْ شىْءٍ حَقيقِىٍّ.. قوِىٍّ
قبْلَ أنْ يَجَأَ الفَتَى يافوخَهُ بِحَديدةٍ
ويَدُعَّ طِفلتَهُ!
ويَكفُرَ بالبُنُوَّةِ والأُبُوَّةِ.. والأُخُوَّةِ والحُمُوَّةِ
والأُمومَةِ والأَرومَةِ.. والخُؤُولةِ والعُمومَةِ
والقَرابَةِ والصَّحابَةِ.. والصَّداقَةِ والرَّفاقَةِ
والعَلاقَةِ..
ثُم يُلقِىَ أهْلَهُ الأَدْنَيْنَ فى مُستَوْدَعٍ لِلنِّفطِ..
أو خزَّانِ غازْ!