الديمقراطية ليست تلك الطقوس التشريعية والسياسية التى ينتج عنها نظام دولة ما فحسب، فالديمقراطية فى أصل روحها هى هذه الدماء التى تسير فى عروق الأمم فتنبت فيها روحا جديدة تمهد الطرق الوعرة أمامها لتنهض وتزدهر، ولعل من الكتب التى تحدثت عن مفهوم الديمقراطية الواسع ونشأتها، هو كتاب "الديمقراطية" تأليف دليل بيرنز.
ولا يخوض الكاتب هنا فى معنى «الديمقراطية» من حيث هى نظام للحكم بقدر ما يعرضها بوصفها ثقافةً عاطفية لدى الشعوب؛ إذ يرى أن «المثل الأعلى من الديمقراطية» يتحقق عندما يتساوى كل أفراد المجتمع فيما يتلقونه من الحقوق، وما يتوجب عليهم فعله من الواجبات تجاه مجتمعاتهم.
وبالرغم من أن النظم الديمقراطية هى أوسع النظم الحاكمة انتشارًا، فقد شابتها بعض الشوائب واعتلاها غير مشهد من مشاهد الاستبداد، وعلى هذا يبنى الكاتب فكرته، ويحاول أن يقدم لنا تعريفا للديمقراطية من زاويةٍ أخرى.
والكتاب لا يبحث فى الديمقراطية، من حيث هى نظام من نظم الحكم فحسب، بل يعنى أولًا بالبحث فيها من حيث هى مسألة من مسائل الفلسفة السياسية، أما هذه النظم التى تسمى عادةً نظمًا دمقراطية، فلا يتعدى بحثه فيها علاقتها بالغرض الذى قامت من أجله، والمثل الأعلى الذى تسعى لتحقيقه، ومَن أرادَ أن يتوسَّع فى معرفة هذه النظم، فعليه أنْ يلجأ إلى غير هذا الكتاب، وبخاصة إلى الكتب التابعة لهذه السلسلة ككتاب البرلمان للسير كورتناى إلبرت Parliament by Sir Courtenay Ilbert.
ومن أبرز المحاور التى يناقشها المؤلف: نشأة الديمقراطية، العقائد المعارضة للدمقراطية، ويرصد لنا أيضًا عيوب الدمقراطية وفوائدها، ويسلط الضوء على النظم الدمقراطية وطريقة إدارتها، ويناقش مسألة الدمقراطية والسلم، والدمقراطية والصناعة، ويختتم بالحديث عن الروح الديمقراطي.
التعريف السائد للديمقراطية فى الحقل المعرفى أو الفلسفى هو تلك الطقوس التشريعية والسياسية، والتى ينتج عنها نظام الدولة، وترتكز على قيمة هامة وهى الحرية وحق الشعب فى اختيار ممثليه، بغض النظر عن التطبيق العملى لهذه التنظيرات، ولكن المؤلف فى الكتاب الذى بين يدينا يقدم الديمقراطية بتعريف مختلف وبعيد عن هذا التعريف الشائع.
إنه يقدم الديمقراطية على أنها ثقافة عاطفية عند الشعب، ويرى المثل الأعلى والأهمية الكبرى لها أن يتحقق التساوى بين جميع المواطنين، فيما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق، وعلى الرغم من رؤيته هذه إلا أنه يقدم الكثير من السلبيات المنتشرة فى الأنظمة الديمقراطية التى تنتشر فى العالم المعاصر، ويسلط الضوء على الإيجابيات أيضا، فمن المشاهد اللافتة التى تحدث عنها: انتشار الاستبداد فى المجتمعات الديمقراطية، وهذا يخالف القيمة الكبرى التى من المفترض أن تتحقق بتطبيق الديمقراطية، ويخوض فى كثير من التفاصيل الفكرية والسياسية مع أمثلة عملية من الانظمة الحاكمة.