صدر حديثًا عن مؤسسة شمس للنشر والتوزيع، كتاب بعنوان "الفصحى والعامية والإبداع الشعبى"، للباحث والناقد الدكتور مصطفى عطية جمعة، والكتاب يقع فى 292 صفحة من القطع الكبير، ويتضمن أربعة أبواب رئيسية، ويقدم الكتاب حسب ما جاء فى مقدمته عددًا من الرؤى حول واقع الثقافة العربية، فى قضية العامية والفصحى.
ويقول الكاتب تأتى تلك الرؤى سعيًا إلى تجاوز المناقشة التقليدية فى مستواها الأدنى، والمتعلق بالألفاظ العامية وتراكيبها وعلاقتها بالفصحى، أى الانتقال من دائرة اللغة إلى دائرة الأفكار والخلفيات، فالعامية ليست قضية لفظية لغوية فقط، وإنما لها جوانبها الثقافية ومرجعاتها الفكرية، فمحور الرؤية التى يحملها الكتاب هى الوشائج بين العامية والفصحى، بالنظر إلى كون العامية إحدى فروع الفصحى، وما ينتج عن هذا من إشكالات، تتمثل فى إشكالية الحوارية فى القصص والمسرحيات، والتى يتناولها الباب الأول.
ويخلص المؤلف إلى أنه لا ضير من العامية فى الإبداع بكافة أشكاله، المكتوب والمرئى والمسموع، على أن نرتقى بالقاموس ونقربه من الفصحى، وأن يضع المبدع العربى بعد الهوية العروبية فى حسبانه، وهو يصوغ إبداعاته، فلا ينظر إلى المتلقى المحلى فقط، وقد كانت تلك القضية هى التى تناولها الباب الثانى، وعنوانه: قضايا اللغة فى الأدب الشعبى فى ضوء الشفاهية والكتابية، حيث تناول الأمر من زاوية علاقة الشفاهية والكتابية بالإبداع الشعبى، وأهمية حفظ تراث العربية فى العامية، لأنه جزء من ذاكرة الأمة، كما استعرض الباب الثانى أيضًا مهارات التدوين للشفاهيات العربية، وأهمية ذلك، على اعتبار أنه إذا كان هناك تاريخ مكتوب، فإن هناك تاريخًا شفاهيًا موازيًا له، يجب الالتفات إليه، وتسجيله، ودراسته، ليكون رافدًا من روافد مسيرة الأمة العقلية والإبداعية والوجدانية والفكرية.
ويناقش الباب الثالث قضية الهوية مستعرضًا أبعادها ومحدداتها، وعلاقتها بالأقليات اللغوية والعرقية وانعكاس ذلك على الفولكلور الشعبى، كما يناقش أيضًا إشكالية تتفرع عن موضوع الكتاب، ألا وهى الثقافة الرسمية والثقافة الشعبية، وتطرق النقاش إلى ما يسمى بثقافة النُّخبة وثقافة الجماهير، للتأكيد على رفض أية ثنائية ثقافية أو بالأدق ازدواجية نعيشها فى حياتنا الفكرية والأدبية بشكل عام، فلا يمكن قبول ثقافة نخبوية/ رسمية، تمثل استعلاءً على ثقافة الشعب الجماهيرية، لأن العبرة فى الثقافة هى تعبيرها عن منتجيها، أيا كانت وسيلة الإبداع، شفاهه أو كتابةً أو تمثيلاً أو غناءً.
أما الباب الرابع، فتناول جماليات الإبداع الشعبى، من خلال دراسة تطبيقية بعنوان البحر فى الشعر الشعبى الخليجى "رؤية مكانية سوسيولوجية"، وتدور حول أثر البحر فى الإبداع الشعبى الخليجى، وكيف أن البحر بوصفه عنصرًا مكانيًا مؤثرًا، ومصدرًا للرزق، صاغ علاقة البشر بالمكان والزمان، وهذا ما فاضت به الأغانى الخليجية والشعر الشعبى فى الأقطار المطلة على الخليج.