تمر، اليوم، الذكرى الـ1391، على فتح النبى محمد صلى الله عليه وسلم، مكة المكرمة، فى العام الثامن من الهجرة (الموافق 10 يناير 630م)، حيث استطاع المسلمون من خلالها فتحَ مدينة مكة وضمها إلى دولتهم الإسلامية.
وفى كل أزمة أصبحت تواجه الأمة الإسلامية الآن، نرى الحملات التي تدعو لمقاطعة المنتجات نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتباينت ردود الأفعال تجاه هذه الحملة سواء بين الأفراد أو بين الدعاة والعلماء، فهل عرف المسلمون والنبى محمد المقاطعة التجارية والاقتصادية؟
كانت أول مقاطعة اقتصادية عرفها المسلمون ضدهم، فحين رأت قريش انتشار الدين الجديد بين أفرادها اجتمعت على أن تعزل بنى هاشم وبنى عبد المطلب وبنى عبد مناف اقتصاديًا، فاتفقوا ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه! وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها فى سقف الكعبة، وأورد ابن كثير شروط تلك المقاطعة الاقتصادية فى كتابه "البداية والنهاية" حيث تعاهد مشركى قريش على أنهم: "لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلَّموا رسول الله للقتل، وكتبوا فى مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق لا يقبلوا من بنى هاشم صلحا أبدا، ولا يأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل." وبدأ ذلك الحصار والمقاطعة الاقتصادية للمسلمين منذ السنة السابعة للبعثة النبوية.
واستمرت تلك المقاطعة حوالى ثلاث سنوات عانى فيها المسلمون كثيرًا من الجوع ومن الضغط الاقتصادى لقريش، فيروى ابن كثير كيف كانت قريشًا تقطع الأسواق عن المسلمين وشعبهم، فلا يتركوا طعامًا ولا بيعًا فى مكة إلا سبقوهم إليه واشتروه، وتروى لنا كتب السير والصحاح كيف عانى الصحابة رضوان الله عليهم جراء ذلك الحصار، حتى أكل أحدهم جلدة بعير جافة تساقط عليها بوله، وكان هذا الصحابى هو سعد بن أبى وقاص حيث روى: "خرجت ذات يوم ونحن فى الشعب لأقضى حاجتى فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا هى قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فتقويت بها ثلاث ليال".
ويعلق الدكتور عابد بن عبد الله سعدون فى كتابه "المقاطعة الاقتصادية تأصيلها الشرعي" على تلك الرواية قائلًا إنها تدل على وقوع المقاطعة الاقتصادية فى صدر الإسلام الأول ومشروعية اللجوء إليها واستخدامها كسلاح ضد العدو، كما تدل على دور الأفراد المؤثر فى تفعيل المقاطعة وتقويتها.
يرى الدكتور سعدون أن الغزوات والسرايا التى سبقت غزوة بدر فى السنة الأولى والثانية من الهجرة ومنها غزوة ودان وسرية عبيدة بن الحارث وسرية حمزة إلى سيف البحر وغزوة بواط وسرية عبد الله بن جحش كانت لها مقاصد الحصار والمقاطعة الاقتصادية، ويتابع سعدون توضيح ذلك قائلًا إن النبى صلى الله عليه وسلم حين هاجر للمدينة أخذ فى اعتراض قوافل قريش للنيل منها وحصارها اقتصاديا وتضييق طرق التجارة عليها "وهذا لا يعدو أن يكون مقاطعة اقتصادية لإضعاف العدو وإخضاعه لمطالب خصمه".