نواصل إلقاء الضوء على مشروع المفكر العربى الكبير محمد عابد الجابرى، أحد أبرز المفكرين العرب فى القرن العشرين، ونتوقف اليوم مع كتابه "مسألة الهوية: العروبة والإسلام والغرب".
ويتناول محمد عابد الجابرى فى كتابه قضية من القضايا الأساسية التى تشغل الرأى العام العربى، والمثقف منه خاصة، القضية التى تطرح على شكل ثنائية: العروبة/الإسلام.
كما يتطرق الجابرى لقضية المستقبل العربى وعلاقته بالآخر، الغرب ومدى تأثيره فيه، فيعرض لعناصر الظرفية الدولية الراهنة وموقع العرب فيهم: النظام الدولى الجديد، المفاوضات مع اسرائيل، تركه النظام العالمى "القديم".
واخيراً يعرض المؤلف لصورة العرب والإسلام فى وسائل الإعلام الغربية، وهى صورة غير موضوعية، صورة يتحكم فيها عنصران ذاتيان: الرغبة فى نفط العرب، والخوف من المهاجرين العرب والمسلمين الذين لا تستطيع أوروبا امتصاصهم ولا الاستغناء عنهم.
وجاء الكتاب فى ثلاثة أقسام: العروبة والاسلام.. والوحدة القومية، نحن والآخر والمستقبل، وصورة العرب والإسلام فى وسائل الإعلام الغربية.
ويقول Abdullah Alansari فى موقع goodreads:
الكتاب عبارة عن أبحاث صغيرة متصلة فى الموضوع المذكور فى عنوان الكتاب، لعلها أشبه بمقالات دورية نشرت بصحف، استفتحها بمقال (ما العربى؟) خلص فيه أن العربى عبارة عن هوية تتشكل بأن العربى هو من يصير (عروبيا) أى صاحب نزوع لقضايا الوحدة الثقافية العربية القائمة بوحدة اقتصادية ونوع ما من الوحدة السياسية!
وكعادة الجابرى يقدم وجهة نظرة مغايرة تماما عن ما تقرأه، فهو لا يعالج أبدا أى مظاهر لأى مشكلة بل يحللها حتى يصل لجذورها، وإن كنت أرى أن الكتاب تطرق لبعض جوانب الهوية العربية فى قسمه الأول، لكن القسم الثانى والأكبر من الكتاب استغرق فى تفسير (الأنا) الغربى وليس العربى، ولعل هذا يرجع بأن الجابرى قد استفاض فى كتبه وبحوثه المطولة فى (العقل العربي) عن الأنا العربى فهو لم يغفل هذا الجانب بتاتا لمن عرف مشروع الجابرى الفكري. ولعله اغفاله لهذا الجانب انه اراد ان يشير إلى قصورنا فى التعرف على (الأنا) العربي.
فى القسم الأول:
- تطرق لثنائية (العرب/الإسلام) وقال إنها ثنائية متكافئة لا يمكننا ترجيح واحدة على الأخرى، وأن المقارنة أساسا مزيفة لا تصح ابتداء، ولا أثر لها ولا معنى فى المرجعية التراثية أو النهضوية، فهى ثنائية خرجت فى فترة معينة لطرح حلول لمشاكل وقعت مع (الآخر)، فلا فائدة ترجى من الدخول فى صراع بين وطن وقومية وبين دين.
- تعرض لمشروع الوحدة العربية وبين سبب فشله، ثم وضع تصوره لمعالجة إشكالياته ومن أبرز ذلك ما أسماه بـ (دمقرطة الفكرة القومية) فأشار إلى حجم تهميش مطلب الديمقراطية فى أدبيات الأحزاب القومية. ثم انتقد فكرة الإقليم الواحد أو القائد المنقذ الذى ستتداعى عليه بقية الأقاليم والشعوب للاتحاد. وطرح بدلا عنها أن تكون الوحدة على مستوى الأقاليم.
القسم الثانى:
وهو القسم الأكثر تشبعا فى الكتاب، ولعل اختصاره صعب فى هذا المقال لكنى سأشير لما أراه مهما حسب وجهة نظري.
- (الأنا) يتحدد دوما عبر (الآخر)، فلِكى تحدد مستقبلك لابد أن يكون (الآخر) أحد محدداته.
من هذا المنطلق شرع الجابرى بتوضيح فكرة (المستقبل) لدى (الآخر) بالنسبة لنا. ليدخل فى تحليل (الأنا) الأوروبى بشكل مستفيض كما أوضحت بالمقدمة، ليخلص للمهم والتالي:
- تعلق (المستقبل) فى حياة ما قبل الديانات وما بعدها (بالحياة ما بعد الموت)، وساهمت الديانات السماوية اليهودية والمسيحية على بناء (الأنا) الأوروبى بشكل اقصائى تماما (للآخر)، برز ذلك فى اليهودية (شعب الله المختار) ثم المسيحية بعدها عندما بدأ عصر البابوية وتأصيل معتقد (مدينة الله) التى يحكمها البابا، وتقسيم السلطة لروحية للبابا وزمنية للامبراطور، وكما هو واضح أن هذا المعتقد تشكل ليكون غطاء سياسيا.
- ثم جاء عصر النهضة الأوروبية والذى انتقل بأوروبا للتفكير الفعلى (بالمستقبل) الحالى لا بالمستقبل البعيد، فبدأ الفلاسفة محاولين تغطية الوعى الدينى المتأصل فيهم بالأطروحات الفلسفية العقلانية ليخرجوا (بالمركزية الأوروبية).
- تطور (الأنا) الأوروبى بعد ذلك لمعرفة (الآخر) بشكل دقيق فكان مشروع (الاستشراق) الذى يراه الجابرى أنه لم يكن من أجل المعرفة المجردة بل كان من أجل إحكام السيطرة على (الآخر).
القسم الثالث:
صورة العرب والإسلام فى وسائل الإعلام الغربية صورة غير موضوعية، و الإعلام الغربى يقدم (النفط) كمحدد أساسى لهوية العرب/الإسلام، و قضية (المهاجرين) العرب كثيرا ما يتم ربطها بالإعلام الغربى بشكل اعتباطى بالإسلام والعرب، فهى قضية غير متصلة أبدا بالإسلام والعرب فهى قضية مرتبطة بالبنى الاقتصادية والديمغرافية والنفسية (العنصرية) الأوروبية، كما أن الإعلام الغربى صنع متلازمة (الإسلام والمهاجرين) قام كذلك بصنع متلازمة (الإسلام والإرهاب).