لم تكن السينما منذ ظهرت فى مصر مجرد مجاراة للغرب، بل سريعا ما صارت تناقش القضايا المصرية وتستفيد مما يحدث فى المجتمع، ومن ذلك ما حدث مع فيلم أولاد الذوات، أول فيلم مصرى ناطق، وقد كاد يتسبب فى أزمة بين مصر وفرنسا.
يقول كتاب "تراث مصرى" لـ أيمن عثمان:
لم يسلم فيلم أولاد الذوات أول فيلم مصرى ناطق 1932 من يد الرقيب بعد الضجة التى أثارها فى فرنسا.. الفيلم مقتبس عن أحداث حقيقية "شاب مصرى ثرى تزوج من فرنسية مستهترة.. خانته واستولت على أمواله، ففقد عقله" كان مقرر أن تقوم الفنانة "بهيجة حافظ" بدور البطولة النسائية، ولأسباب فنية سُحِب منها الدور لصالح الفرنسية "كوليت دارفوى" أثناء عروضه الأولى فى دور السينما هاجمته الصحف الفرنسية، واتهمت صُنَّاعه بالتعصب، وكتبت إحدى الصحف: "إذا تركنا جانبًا الوِجهة الفنية لفيلم أولاد الذوات، وهى تُعَد عتيقة مضحكة، فنحن نجد أن الفيلم مثال أفلام روسيا الشيوعية التى تترك الفن للفن وتقصد الدعاية، فقد أرادوا به أن يروّجوا الدعوة لدى المصريين لكراهية المرأة الأوربّية وبخاصة الفرنسية، فمثلوها فى هذا الفيلم تخرب البيوت وتقود الرجل ضحيتها إلى الدمار وإلى الجريمة فالموت.. ولكى يستكملوا المظاهرة، وضعوا بطريقة كأنها عبث الأطفال جميع الرذائل وضروب الخسة فى شخص تلك المرأة، وعهدوا بهذا الدور للمدموازيل كوليت دارفوى..".
خشى قلم الرقابة أن يتسبب الفيلم فى أزمة دبلوماسية مع فرنسا، فمنعوه وفق البند الخامس من الممنوعات الخمس "منع ما يؤدى إلى مشاكل سياسية أو دولية" حتى إشعار آخر".
ردَّ يوسف وهبى على الحملة الصحفية الفرنسية على الفيلم فقال: "إنها لو عنيت بتفهُّم قصة الفيلم ما عنيت بتشويه الحقائق، لأدركت أن جوليا العشيقة الأجنبية فى الرواية لم تكن من الأُسَر الفرنسية الراقية، بل كانت من نساء صالات الرقص والكباريهات كما جاء على لسان زوجها الدكتور أمين، وكما جاء فى سياق القصة من أنها عادت إلى باريس مع عشيقها حمدى بجواز سفر مزوّر، وأنها كانت تدعو حثالة اللاعبين والطامعين لسرقة وابتزاز أموال عشيقها".
وكتب أيضًا: "إن شخصية جوليا التى ظهرت فى فيلمى لها شخصيات مماثلة فى جميع الأفلام التى تخرجها فرنسا نفسها، فضلًا عن أفلام باقى الدول الأوربّية والأمريكية.. ومع ذلك حول هذه الأفلام أية حملة صحفية لأنها أظهرت امرأة من أية دولة فى مظهر ينم عن الاستهتار والتهتك كما قامت بدور جوليا ممثلة فرنسية لها مكانتها.. فلو أنها وجدت فى الدور ما يسيء إلى سمعة المرأة الفرنسية لما قبلته".
ومع مرور الوقت هدأت الحملة الشرسة على أول فيلم مصرى ناطق، وعاد لدور العرض فى السينما، وكانت الانطلاقة الأولى للسينما الناطقة، وشهادة انتهاء صلاحية الأفلام الصامتة.