نلقى الضوء على كتاب "أنهوا هذا الكسادَ الآن" لـ بول كروجمان، ترجمة أميرة أحمد إمبابى، مراجعة لبنى عماد تركى، والصادر عن دار نشر "هنداوى"، وينطلق الكتاب من فكرة هى أن العالم يعيش حالة من الركود، بدأت منذ سنوات، ولا تزال مستمرة، ويرصد عددًا من أبعاد المأساة منها مت يتعلق بالبطالة.
يقول الكتاب تحت عنوان "حياة خربة":
دائمًا ما يكون ثمة بطالة فى اقتصاد معقد وديناميكى مثل اقتصاد الولايات المتحدة الحديثة، فمع كل يوم يمر تفشل بعض الشركات، ويتسبب فشلها فى اختفاء بعض الوظائف، فى حين تنمو شركات أخرى، وتحتاج إلى المزيد من الموظفين، قد يستقيل العمال أو يُفصَلون من عملهم لأسباب خاصة بهم، ويعيِّن أرباب عملهم بدلاء لهم.
وفى عام 2007، عندما كانت سوق العمل فى وضع جيد جدًّا، استقال أكثر من 20 مليون عامل من عمله أو فصل منه، فى حين وُظِّف عدد أكبر من ذلك.
كل هذه الحركة تعنى أن قدرًا من البطالة يبقى، حتى عندما تكون الظروف مواتية، لأنه غالبًا ما يستغرق العمال المستقبليون وقتًا فى البحث عن وظيفة جديدة، أو قبول عرض وظيفة جديدة، وكما رأينا، كان ثمة ما يقرب من سبعة ملايين عامل عاطل عن العمل فى خريف 2007، على الرغم من أن الاقتصاد كان مزدهرًا إلى حدٍّ كبيرٍ.
كما كان ثمة الملايين من الأمريكيين العاطلين عن العمل فى ذروة طفرة تسعينيات القرن العشرين، عندما انتشرت دعابة أن كلَّ مَن يجتاز "اختبار المرآة" — ما يعنى أن أى شخصٍ تُحدِث أنفاسُه بخارًا على المرآة، كنايةً عن كونه حيًّا — يمكن أن يحصل على عملٍ.
إلا أنه فى أوقات الرخاء تكون البطالة فى الغالب حالة مؤقتة، ففى أوقات الرخاء، يكون ثمة شبه توافُق بين عدد الباحثين عن عمل وعدد فُرَص العمل، ونتيجة لذلك يعثر أكثر الباحثين عن عمل على وظيفة بسرعة إلى حدٍّ كبير. فمن بين عدد السبعة ملايين أمريكى العاطلين عن العمل قبل الأزمة، ظلَّ أقلُّ من الخُمس عاطلًا لمدة تصل إلى ستة أشهر، وظل أقلّ من العُشْر عاطلًا عن العمل لمدة عام أو أكثر.
وتغيَّرَ هذا الوضعُ تمامًا منذ حدوث الأزمة، فحاليا ثمة أربعة باحثين عن عمل مقابِل كل فرصة عمل، مما يعنى أن العامل الذين يفقد وظيفته يجد صعوبة بالغة فى الحصول على وظيفة أخرى، وثمة ستة ملايين أمريكى — أى ما يقرب من خمسة أمثال العدد عام 2007 — عاطلون عن العمل منذ ستة أشهر أو أكثر، فيما ظل أربعة ملايين عاطلين عن العمل لمدة تزيد عن عام، بعد أن كان العدد 700 ألف شخص فقط قبل الأزمة.
وهذه تجربة تكاد تكون جديدةً من نوعها تمامًا على الأمريكيين، وأنا أقول "تكاد" لأن البطالة الطويلة الأجل كانَتْ متفشِّية بلا شك فى الولايات المتحدة أثناء الكساد الكبير، إلا أنها لم تتكرَّر منذ ذلك الحين، فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين، لم يجد هذا العدد الكبير من الأمريكيين أنفسهم شِبه محاصَرين فى حالةِ بطالة دائمةٍ.
تخلِّف البطالةُ الطويلةُ الأجل جرحًا غائرًا فى معنويات العاملين فى أى مكان، وفى الولايات المتحدة — حيث شبكة الأمان الاجتماعى أضعف من مثيلاتها فى أى دولة متقدِّمة أخرى — يمكن للبطالة أن تتحوَّل بسهولةٍ إلى كابوس، فغالبًا ما يعنى فقْدُ الوظيفة خسارةَ التأمين الصحى، وتُستنفَد إعانات البطالة، التى لا تتجاوز عادة نحو ثلث الدخل المفقود فى كل الأحوال، وعلى مدار ٢٠١٠-٢٠١١، حدث انخفاض طفيف فى معدلات البطالة الرسمية، إلا أن عدد الأمريكيين العاطلين عن العمل الذين لا يتلقَّون إعانةَ بطالةٍ قد تضاعَف. ومع استمرار البطالة، تتدهور الأوضاعُ المالية للأُسَر، إذ تُستَنزَف مدَّخَراتُها، وتعجز عن دفع الفواتير، وتفقد بيوتها.