واحد من الكتاب الشباب الذين قدموا كتابات تنتصر للأدب، وتنتنصر لنفسها وللأشياء، وكانت كتاباتهم معبرة عن وقائع عشناها ونعيشها فى مجتمعنا المصرى، خاصة بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، هو القاص محمود فطين السيسى، والذى قدم عدة أعمال منها "كلنا عبده العبيط".
المجموعة صادرة فى أواخر العام الماضى عن دار "الثقافة الجديدة"، وهى الثالثة لمؤلفها بعد مجموعتين أخريين، الأولى "رقصة النكبة" 2008، والثانية "المركب بتغرق يا قبطان" 2015.
تضم "كلنا عبده العبيط" 9 قصص قصيرة، بجانب نص تمهيدى مميز وضعه الكاتب فى البداية، ويرصد فيها بفنية ملحوظة وتجريب واعد، الهم العام للمجتمع المصرى والخاص لجيله منذ ثورة 25 يناير 2011، وكيف نزلت الأحلام - مرغمة وبأسى - من علٍ إلى أرض الواقع المرهق مرة أخرى.
بحسب الناقد الدكتور صلاح السروى فإن المجموعة مليئة بنقد الذات ونقد الآخرين والمشاعر المفعمة وأسى واضح دفين يتخللها مع الإحساس بالهزيمة، مشيرا إلى أن هذه القصص صرخة أكثر منها محاولة لبناء الفن، وهى تمضى فى اتجاه ما يسمى "بنية الإخفاق" أو قصة الأزمة حيث المثقف يرى بعين بصيرة الأمام مثل قصة رائحة الدخان لإدريس على وهو الاتجاه الذى ترعرع عقب 67، هذا الاتجاه الآن يتجدد بعد أن انقطع.
ولفت الدكتور صلاح السرورى إلى أن "كلنا عبده العبيط" تبدو فى نزعة المذكرات أو تقنية كتابة التقرير مع ظهور تحطيم الحائط الرابع فى قصص (نص متعدد الأغراض) و(ملل)، موضحا لسنا إزاء قصص بل تلاعب بالقارئ وتخيل يود أن ينقل إلى القارئ أكثر مما يريد أن يمتعه بشكل أقرب إلى الملحمية فى صيغة مراوغة.
واستطرد أستاذ الأدب العربى الحديث بجامعة حلوان، المزحة تفجر هذا الانفعال والاحتشاد العاطفي، وجوهر الأزمة فى المجموعة هى مشكلة الاتصال والانفصال فمثلا فى قصة (السحب) أزمة التواصل وعجز المثقف واليسار وهو مأزق إنسانى أكثر منه سياسى، ما يذكر بقصيدة الدايرة المقطوعة لعبد الرحمن الأبنودي، فيها يمارس لعب فى غاية البراعة بين الواقع وبين ما يمكن أن نراه لوثة تصيب الشخصية من مشوار الرفض والهزائم المتكررة.
وحسبما يرى الناقد والشاعر محمود قرنى، يبدو الهم السياسى ضاغطا أيضا فى قصة "السحب" التى تقع أحداثها بين مجموعة من رفاق العمل السياسى الذين يسعون إلى توسيع دائرة الاستقطاب، لكن شيئا ما خلف حوارهم يبدو محبطا، ويظل السؤال المعلق دائما "نسكت وللا نكمل" ثم تنتهى القصة أيضا نهاية مفارقة طبقا لهلوسات البطل الذى يظل ينادى على أصدقائه الذين ولجوا إلى البحر نداء يحتمل الكثير من التأويل: "ارجعوا الأرض بتتسحب.. الأرض هتضيع".