ما العلاقة بين أناشيد إخناتون ومزامير نبى الله داوود؟

هل كان إخناتون هو أول الموحدين؟ وهل كان هو الملك الموحد الأول القادم من مصر القديمة والشرق الأدنى القديم؟ وهل ما قام به إخناتون من ثورة دينية بالقضاء على كل المعبودات الأخرى يعد أمرًا توحيديًا كما نعرف التوحيد بمفهومنا الحالى فى العصر الحديث؟ وهل كل إله إخناتون، المعبود آتون، إلهًا جديدًا أم كانت له جذوره فى مصر القديمة ولم يكن إلهًا مستحدثًا دفع به إخناتون إلى صدارة المشهد الدينى فى مصر القديمة فى النصف الثانى من الأسرة الثامنة عشرة فى عصر الدولة الحديثة عصر الإمبراطورية المصرية الفسيحة فى مصر والشرق الأدنى القديم؟ وهل هناك تشابه بين أناشيد إخناتون لربه آتون ومزامير نبى الله سيدنا داود عليه السلام؟ وهل كان هناك تأثر بدعوة إخناتون بعد نهاية فترة حكمه؟، كل هذه الأسئلة يجيب عنها الدكتور حسين عبد البصير، خبير الآثار المصرية، ومدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية. يقول الدكتور حسين عبد البصير: "تعتبر فترة العمارنة نسبة إلى عاصمة إخناتون الجديدة فى تل العمارنة فى المنيا فى مصر الوسطى، من أهم الفترات التاريخية فى مصر القديمة التى حدثت بها تطورات بل طفرات فى كل مظاهر الحياة بل والعالم الآخر، وعصر العمارنة هو عصر الثورة فى مصر الفرعونية على كل المستويات، ففى هذا العصر حكم مصر ملك جديد أحدث ثورات على كل الأصعدة التقليدية وقلب الأمور رأسًا على عقب فى فترة زمنية قصيرة عادت بعدها الحياة فى مصر القديمة إلى مجراها شبه الطبيعى وسابق عهدها بعد اختفاء قسرى لذلك الملك أو إقصائه وإنهاء زمنه وتاريخه من قبل كارهيه ومعارضيه من أنصار الملكية المصرية المستقرة وكهنة المعبودات الأخرى الذين قضى عليهم إخناتون وأزاحهم عنوة من المشهد السياسى فى مصر القديمة". وتابع: "وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الآثار التى تركها عصر العمارنة على معاصريه ولاحقيه لم تختلف كلية من المشهد كما كان يظن هؤلاء الكارهين لتلك الحقبة الأكثر إشكالية وإثارة فى تاريخ مصر القديمة قاطبة بل امتدت تلك الآثار إلى ما بعد عهد الفرعون الموحد الملك إخناتون لفترة ليست بالقصيرة". الديانة الآتونية.. ديانة آتون وتابع الدكتور حسين عبد البصير: لقد كان الدين من بين أهم العناصر المميزة التى قامت عليها دولة الملك إخناتون ودعوته الدينية الجديدة، ولعب الدين دوره الكبير بامتياز فى فترة العمارنة الفريدة فى التاريخ المصرى القديم كله، وانصب اهتمام الملك الشاب على الديانة الشمسية أو ديانة الضوء وعلى معبوده الجديد "آتون" الذى جسده الملك فنيًا على هيئة قرص شمس تخرج منه أيد بشرية تمسك بعلامة "عنخ" كى تهب الحياة للبشرية جمعاء من خلال الوسيط الملك إخناتون وأفراد عائلته المقدسة. ولاقت الدعوة الدينية الجديدة استحسانًا من قبل زوجته الجميلة والذكية الملكة نفرتيتى التى صارت من أقوى المناصرين للملك إخناتون ودعوته الجديدة وصارت صنوًا له وعنصرًا مكملاً للدعوة الآتونية. معبد لآتون فى الكرنك بيت آمون المقدس فى بداية حكمه، بنى الملك إخناتون معبدًا للإله آتون فى الكرنك، المكان المقدس للمعبود آمون رع، مهددًا بذلك دولة آمون رع الأزلية المستقرة وكهنته ومتحديًا إياهم فى عقر دارهم مما جعلهم يضمرون له الحقد ويكيدون له المكائد حتى ترك مدينتهم طيبة العاصمة العريقة لمصر القديمة فى عصر الدولة الحديثة وارتحل إلى مدينة جديدة لم تدنسها قدم إنسان من قبل. وقامت دعوة إخناتون على جمع كل الآلهة فى إله واحد هو معبوده آتون، ولم يجسد الملك إخناتون إلهه الجديد فى شكل آدمى على الإطلاق، وكانت فكرة العدالة والنظام الكونى جزءًا من ديانة إخناتون الجديدة، وكانت فكرة النور والضياء جزءًا لا يتجزأ من الدعوة الآتونية فى مقابل الظلام وقوى الفوضى، ولا تنطوى دعوة إخناتون على فكرة التوحيد كما نعرفها حاليًا، وإنما كان الهدف من تلك الدعوة بدمج المعبودات فى إله واحد هدفًا سياسيًا كى يحد من سيطرة المعبود آمون رع وكهنته على الحكم فى تلك الفترة، وحاول إخناتون أن ينجح فى ذلك، لكن الحظ لم يحالفه طويلاً، نظرًا لوقوعه فى عدد من الأخطاء الكارثية الكبيرة، وكذلك انغلاق دعوته، وقيامها على شخصه وأفراد عائلته فقط، وتسرعه وقصر فترة حكمه، واعتماده على عدد من المنافقين والمنتفعين الذين انقلبوا عليه حين انتهت دعوته وانفضت دولته وخارت قواها. هل كانت دولة إخناتون دولة دينية؟ وقال الدكتور حسين عبد البصير: على عكس ما يشاع لم يقم إخناتون بتأسيس دولة دينية على الإطلاق، ومن المعلوم أن الدولة الدينية الوحيدة التى قامت فى مصر القديمة كانت فى عصر الأسرة الحادية والعشرين، عندما استغل كهنة الإله آمون فى مدينة طيبة ضعف السلطة المركزية بعد نهاية الدولة الحديثة، وقفزوا على السلطة، وأسسوا تلك الأسرة التى حكمها كهنة آمون من الجنوب فى حكم ثيوقراطى لم يكن مقبولاً من الجميع وسرعان ما انتهى بتأسيس الملك شاشانق الأول للأسرة الثانية والعشرين محققًا عظمة الأجداد من ملوك الدولة الحديثة. ولم تستمر دولة إخناتون طويلاً، بسبب كثير من الأخطاء الكارثية الكبرى التى حاول الملك إخناتون القيام بها مثل محاولته الدءوب تغيير الهوية الحضارية للدولة المصرية المتسامحة والتى تقبل التعدد بامتياز، وكذلك محاولته إقصاء كل ما ومن هو ضده، وأيضا زلزلة ثوابت الدولة المصرية العريقة، وإهمال سياسة مصر الخارجية وممالكها المهمة فى بلاد الشرق الأدنى القديم، والاكتفاء بالدعوة الدينية لمعبودة الجديد والتجديدات الفنية واللغوية والأدبية التى لم تمس عمق المجتمع ولم يتقبلها كلية، فضلاً عن التغيير الفوقى الذى أراد فرضه على الجميع فى وقت زمنى قصير، علاوة على عدم الاهتمام بالتراث المصرى الحضارى العريق الممتد فى الشخصية المصرية لآلاف السنين قبل بزوغ دعوته الدينية القائمة على الأحادية ونفى المعبودات الأخرى وكهنتها المتنفذين، وعدم الالتفات إلى طبيعة الثقافة المصرية وكذلك الشخصية المصرية وفهم مكوناتها ومكنوناتها، فكانت نهايته المأوسوية. ونظرًا لأنه كان أيضًا هو الوسيط الوحيد بين معبوده آتون والشعب، فانتهت الدولة بانتهائه، وغابت الدعوة بغيابه. وانقلب المنافقون الذين ذهبوا معه إلى مدينته الجديدة بعد رحيله ولعنوه ولعنوا دعوته وهجروا مدينته وأطلقوا عليه "الملك المهرطق" و"المارق من تل العمارنة". أناشيد إخناتون ومزامير داود كتب الملك إخناتون الأناشيد التى كان يناجى فيها ربه الإله أتون، وتمثل أناشيد آتون أهمية كبرى من الناحيتين الدينية والأدبية لما بها من أفكار دينية متقدمة وخلاقة وإبداعية تتشابه مع ما جاء فى المزمور رقم 104 من مزامير نبى الله سيدنا داود عليه السلام، فيرى البعض أن هناك تماثلاً كبيرًا بين بعض الجمل والمفردات والتعبيرات الأدبية والسياقات اللغوية وكذلك فى المضمون الكلى بين نشيد إخناتون ومزمور النبى داود المشار إليه. وقد رأى بعض العلماء أن الأمر لا ليس إلا مجرد توارد خواطر ليس إلا، ففى النصين اللغويين يناجى الملك إخناتون ربه آتون ويناجى النبى داود الله سبحانه وتعالى، ومن هنا جاء التقارب والاتفاق فى ذكر وتعديد نعم الرب وأفضاله وآلائه، ويمثل نشيد إخناتون أدبًا رفيعًا ضمن عيون الأدب العالمى حيث يمتاز النشيد بروعة البلاغة وسلامة العبارة وسلاسة اللغة وروعة التعبير وحسن السياق وتواصله وتوافقه، وهناك النشيد الكبير لآتون والنشيد الصغير لآتون، وتم نقشهما على جدران بعض المقابر من رجال حاشية إخناتون فى عاصمته فى تل العمارنة، غير أن النسخة الكاملة من النشيد جاءت إلينا من مقبرة "آي"، ويشير النشيدان إلى قدرة الرب آتون فى خلق الكون والبشر والكائنات جميعًا، دون ذكر لأى معبود آخر فى الخلق، باعتبار رب إخناتون الإله آتون هو الخالق الأعظم. ومن أجواء النشيد، نذكر ما يلي: "أنت تطلع ببهاء فى أفق السماء، يا آتون الحي، (يا) بداية الحياة، عندما تبزغ فى الأفق الشرقي، تملأ كل البلاد بجمالك، أنت جميل، عظيم متلألئ، وتعلو فوق كل بلد، وتحيط أشعتك بالأراضى كلها التى خلقتها، لأنك أنت "رع" وتصل إلى نهايتها، وتخضعها لابنك المحبوب، وبالرغم من أنك بعيد، فإن أشعتك على الأرض، وبالرغم من أنك أمام أعينهم، فلا يعرف أحد خطوات سيرك".












الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;