تمر اليوم الذكرى الـ761 على سقوط حلب فى يد التتار، وهى أول مدينة شامية تواجه الغزو المغولى بعد سقوط بغداد، وذلك فى 25 يناير عام 1260، وذلك استمر الحصار التترى لمدينة حلب سبعة أيام فقط.
وكان دخول المغول بخدعة، حيث أعطى التتار الأمان لأهلها إذا فتحوا الأبواب دون مقاومة، ولكن زعيمهم توران شاه قال لهم: إن هذه خدعة، وإن التتار لا أمان لهم ولا عهد، لكنهم كانوا قد أحبطوا من سقوط ميافارقين، وعدم مساعدة أميرهم الناصر يوسف لهم، وبقائه فى دمشق، وتركه إياهم تحت حصار التتار لهم.. هذا الإحباط قاد الشعب إلى الرغبة فى التسليم.
ووفقا لموسوعة "تاريخ الإسلام" للدكتور راغب السرجانى: بدأت المذابح البشعة فى رجال ونساء وأطفال حلب، وتم تدمير المدينة تمامًا، ثم خرب التتار أسوار المدينة لئلا تستطيع المقاومة بعد ذلك، ثم اتجه هولاكو لحصار القلعة التى فى داخل حلب، وكان بها توران شاه وبعض المجاهدين، واشتد القصف على القلعة، وانهمرت السهام من كل مكان، لكنها صمدت وقاومت، واستمر الحال على ذلك أربعة أسابيع متصلة، إلى أن سقطت القلعة فى النهاية فى يد هولاكو، وكسرت الأبواب، وقتل هولاكو -كما هو متوقع- كل من فى القلعة، ولكنه أبقى على حياة توران شاه ولم يقتله!.
وهنا يذكر بعض المؤرخين أن هولاكو قد فعل ذلك إعجابًا بشجاعة الشيخ الكبير توران شاه، وأن هذه فروسية ونبل من الفاتح هولاكو، ولكن هذه صفات لا تتناسق أبدًا مع وصف هولاكو، وليس هولاكو بالذى يُعجب بمن يقاومه، وليس هو بالذى يتصف بنبل أو فروسية.. إنما الذى يتراءى لى أنه أبقى على حياته لأغراض أخرى خبيثة، فهذا العفو من ناحية هو عمل سياسى ماكر يريد به ألا يثير حفيظة الأيوبيين المنتشرين فى كل بلاد الشام، وخاصة أنه قتل الكامل محمد الأيوبى منذ أيام، فإذا تتبع قوادهم بالقتل فهذا قد يؤدى إلى إثارتهم، ولا ننسى -أيضًا- أن كثيرًا من الأيوبيين يحالفونه، ومنهم الأشرف الأيوبى أمير حمص، وهو لا يريد أن يقلب عليه الأوضاع فى الشام.. هذا من ناحية.
وهكذا استقر الوضع لهولاكو فى حلب، وخمدت كل مقاومة، وهدمت كل الأسوار والقلاع.. ثم أراد هولاكو أن ينتقل إلى مكان آخر فى الشام، فاستقدم الأشرف الأيوبى أمير حمص، وهو أحد الأمراء الخونة الذين تحالفوا مع التتار، وأظهر هولاكو للأشرف الأيوبى كرمًا غير المعتاد! فقد أعطاه إمارة مدينة حلب إلى جوار مدينة حمص، وذلك ليضمن ولاءه التام له، ولكى يتيقن الأشرف أن من مصلحته الشخصية أن يبقى السيد هولاكو مُحتلًا للبلاد، ولكنه بالطبع وضع عليه إشرافًا تتريًا دقيقًا من بعض قادة الجند التتر، فأصبح الأمير الأشرف الأيوبى وكأنه الحاكم الإدارى للمدينة، أى أصبح الأمير الأشرف الأيوبى «صورة» حاكم أمام الشعب، بينما كان هناك الحاكم العسكرى التترى لحلب، الذى كان يعتبر فى الواقع الحاكم الفعلى للبلد، وبيده بالطبع كل مقاليد السلطة والحكم والقوَّة!.