واحدة من القصص الشهيرة فى التراث الإسلامى هى قصة زواج النبى عليه الصلاة والسلام بالسيدة أم حبيبة، فكيف كان ذلك وما مهرها وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "فصل فى تزويج النبى صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة":
ذكر البيهقى بعد وقعة الخندق من طريق الكلبى، عن أبى صالح، عن ابن عباس فى قوله تعالى: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً" [الممتحنة: 7]
قال: هو تزويج النبى ﷺ بأم حبيبة بنت أبى سفيان، فصارت أم المؤمنين، وصار معاوية خال المؤمنين.
ثم قال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا على بن عيسى قال: حدثنا أحمد بن نجدة، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، أنبأنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهرى، عن عروة، عن أم حبيبة أنها كانت عند عبد الله بن جحش، وكان رحل إلى النجاشى فمات.
وأن رسول الله ﷺ تزوج بأم حبيبة وهى بأرض الحبشة، وزوجها إياه النجاشى ومهرها أربعة آلاف درهم، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، وجهزها من عنده، وما بعث رسول الله ﷺ بشىء.
قال: وكان مهور أزواج النبى ﷺ أربعمائة، قلت: والصحيح أن مهور أزواج النبى ﷺ كانت ثنتى عشرة أوقية ونشا، والوقية: أربعون درهما. والنش: النصف. وذلك يعدل خمسمائة درهم.
ثم روى البيهقي: من طريق ابن لهيعة، عن أبى الأسود، عن عروة أن عبيد الله بن جحش مات بالحبشة نصرانيا، فخلف على زوجته أم حبيبة رسول الله ﷺ زوجها منه عثمان بن عفان رضى الله عنه.
قلت: أما تنصر عبيد الله بن جحش فقد تقدم بيانه، وذلك على أثر ما هاجر مع المسلمين إلى أرض الحبشة، استزله الشيطان فزين له دين النصارى، فصار إليه حتى مات عليه لعنه الله، وكان يعير المسلمين فيقول لهم: أبصرنا وصأصأتم، وقد تقدم شرح ذلك فى هجرة الحبشة.
وأما قول عروة: إن عثمان زوجها منه فغريب، لأن عثمان كان قد رجع إلى مكة قبل ذلك، ثم هاجر إلى المدينة وصحبته زوجته رقية كما تقدم، والله أعلم.
والصحيح ما ذكره يونس، عن محمد بن إسحاق قال: بلغنى أن الذى ولى نكاحها ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص.
قلت: وكان وكيل رسول الله ﷺ فى قبول العقد أصحمة النجاشى ملك الحبشة، كما قال يونس، عن محمد بن إسحاق: حدثنى أبو جعفر محمد بن على بن الحسين قال: بعث رسول الله ﷺ عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشى فزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان، وساق عنه أربعمائة دينار.
وقال الزبير بن بكار: حدثنى محمد بن الحسن، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن زهير، عن إسماعيل بن عمرو: أن أم حبيبة بنت أبى سفيان قالت: ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي، جارية يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ووهنه، فاستأذنت علي، فأذنت لها فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله ﷺ كتب إلى أن أزوجكه.
فقلت: بشرك الله بالخير.
وقالت: يقول لك الملك وكلى من يزوجك.
قالت: فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته، وأعطيت أبرهة سوارين من فضة، وخذمتين من فضة كانتا علي، وخواتيم من فضة فى كل أصابع رجلى سرورا بما بشرتنى به، فلما أن كان من العشى أمر النجاشى جعفر بن أبى طالب، ومن كان هناك من المسلمين أن يحضروا.
وخطب النجاشى وقال: الحمد لله الملك القدوس المؤمن العزيز الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه الذى بشر به عيسى بن مريم، أما بعد:
فإن رسول الله ﷺ طلب أن أزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله ﷺ، وقد أصدقها أربعمائة دينار، ثم سكب الدنانير بين يدى القوم.
فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد:
فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله ﷺ وزوجته أم حبيبة بنت أبى سفيان، فبارك الله لرسول الله ﷺ، ودفع النجاشى الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإن من سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا.
قلت: فلعل عمرو بن العاص لما رأى عمرو بن أمية خارجا من عند النجاشى بعد الخندق إنما كان فى قضية أم حبيبة فالله أعلم.
لكن قال الحافظ البيهقي: ذكر أبو عبد الله ابن منده أن تزويجه عليه السلام بأم حبيبة كان فى سنة ست، وأن تزويجه بأم سلمة كان فى سنة أربع.
قلت: وكذا قال خليفة، وأبو عبيد الله معمر بن المثنى، وابن البرقي، وأن تزويج أم حبيبة كان فى سنة ست، وقال بعض الناس: سنة سبع.
قال البيهقي: هو أشبه.
قلت: قد تقدم تزويجه عليه السلام بأم سلمة فى أواخر سنة أربع، وأما أم حبيبة فيحتمل أن يكون قبل ذلك، ويحتمل أن يكون بعده، وكونه بعد الخندق أشبه لما تقدم من ذكر عمرو بن العاص، أنه رأى عمرو بن أمية عند النجاشي، فهو فى قضيتها، والله أعلم.
وقد حكى الحافظ ابن الأثير فى (الغابة): عن قتادة أن أم حبيبة لما هاجرت من الحبشة إلى المدينة، خطبها رسول الله ﷺ وتزوجها.
وحكى عن بعضهم أنه تزوجها بعد إسلام أبيها بعد الفتح. واحتج هذا القائل بما رواه مسلم: من طريق عكرمة بن عمار اليماني، عن أبى زميل سماك بن الوليد، عن ابن عباس أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن.
قال: "نعم"
قال: تؤمرنى على أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين.
قال: "نعم"
قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك.
قال: "نعم"
قال: وعندى أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبى سفيان أزوجكها.
الحديث بتمامه.
قال ابن الأثير: وهذا الحديث مما أنكر على مسلم، لأن أبا سفيان لما جاء يجدد العقد قبل الفتح، دخل على ابنته أم حبيبة، فثنت عنه فراش النبى ﷺ، فقال: والله ما أدرى أرغبت بى عنه، أو به عني؟
قالت: بل هذا فراش رسول الله ﷺ، وأنت رجل مشرك.
فقال: والله لقد أصابك بعدى يا بنية شر.
وقال ابن حزم: هذا الحديث وضعه عكرمة بن عمار، وهذا القول منه لا يتابع عليه.
وقال آخرون: أراد أن يجدد العقد لما فيه بغير إذنه من الغضاضة عليه.
وقال بعضهم: لأنه اعتقد انفساخ نكاح ابنته بإسلامه.
وهذه كلها ضعيفة، والأحسن فى هذا أنه أراد أن يزوجه ابنته الأخرى مرة، لما رأى فى ذلك من الشرف له، واستعان بأختها أم حبيبة كما فى الصحيحين، وإنما وهم الراوى فى تسميته أم حبيبة، وقد أوردنا لذلك خبرا مفردا.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين.
وقال أبو بكر بن أبى خيثمة: توفيت قبل معاوية لسنة، وكانت وفاة معاوية فى رجب سنة ستين.