عانت مسارح وزارة الثقافة لسنوات من الإهمال فتوقف بعضها عن العمل تمامًا، فقل معها الاهتمام بفن المسرح، ونشر ثقافة المسارح، والآن وفى ظل اهتمام الدولة بالفنون وبناء الإنسان، أصبحت وزارة الثقافة تعمل على تأهيل كل المسار وإعادة تشغيلها، تزامنًا مع إعادة إحياء فن المسرح.
ولعل عودة المسارح المتنقلة فى المدن والمحافظات كان الحل الأمثل لمشكلة قلة عدد المسارح التابعة لوزارة الثقافة لدعم الفرق الفنية بالمحافظات، ومع استمرار الجهود لتنفيذ مسار تحقيق العدالة الثقافية تسلمت وزارة الثقافة ستة مسارح متنقلة تقدم من خلالها مختلف ألوان الإبداع فى المناطق النائية والأكثر احتياجا بربوع مصر، حيث تم توزيع المسارح بواقع مسرح لكل إقليم من الأقاليم الثقافية الرئيسة الستة وهى إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد، وسط الصعيد، جنوب الصعيد، غرب الدلتا، شرق الدلتا، والقناة وسيناء.
وبحسب كتاب "الجمهورية الغائبة"، فإن الثقافة الجماهيرية (قصور الثقافة حاليا) نجحت فى الاتصال بالطبقة العاملة، وفتحت أبوابها للعمال للالتحاق بمختلف شعبها وبرامجها الثقافية، كما وثقت علاقتها بالنقابات العمالية فقدمت العروض السينمائية، وأدارت الندوات الفنية بإعلان مولد مؤسسة الثقافة العمالية، فأصبحت بعد ذلك جزءًا حيويا فى التنظيم النقابى العمالي.
التطوير الإدارى الآخر كان عام 1963 عندما أُلحقت "جامعة الثقافة الحرة" بمصلحة الاستعلامات، لكن ذلك، وفقا للمؤلف، أثر على أداء رسالتها تأثيرا سيئا، رغم ذلك، كما يذكر الكتاب، "تم إيفاد مجموعة من العاملين إلى بعثات خارجية، وكان أولها عام 1961 فقد تم إيفاد وفد من المبعوثين إلى يوغسلافيا لتلقى الدراسة فى المسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية والمكتبات والتنظيم والإدارة، وقد تم تصنيع المسارح والمكتبات المتنقلة على سيارات من نوع خاص ومجهزة لنقل تلك الخدمة إلى الريف والقرى".
مع أواخر ستينيات القرن العشرين كانت الفرق المسرحية بالثقافة الجماهيرية (هيئة قصور الثقافة حاليا)، بدأت فى التوجه إلى عرض مسرحياتها الفنية بالقرى المختلفة، ومع مطلع السبعينيات ازدهرت تلك الحركة، وظهرت العدد من الفرق الخاصة بذلك النوع من العروض، ولعل من أشهرها الفرقة التى كونها عباس أحمد، والتى تعد أول مسرح محترف يذهب للفلاحيين.
وبحسب مقال للكاتبة منى صلاح الدين، نشرته مجلة صباح الخير فى يوليو عام 2018، تحت عنوان "مسرح الفلاحين"، فإن العروض، كان يحضرها مايقرب من 10 آلاف شخص من أهل القرية والقرى المجاورة، وكان اليوم الذى لا يحضر فيه سوى ألفى متفرج، يعتبر العرض قليل الجمهور، لافتة إلى أن ديكورات مسرح الفلاحين أو مسرح الجرن، كانت فى الهواء الطلق ومن الطبيعة مع كشافات إضاءة عادية من الشجر والسماء، وكان السلك الشائك فى رفح، هو الديكور الذى قدم عليه مسرحية "سالم أبو طويلة" البطل الذى اغتالته إسرائيل.
لسنوات طويلة اختفى مسرح الفلاحين عن الوجود، وظل ذكره مجرد ذكرى فى عقول الفنانين ورواد الثقافة الجماهيرية ومحبى المسرح المصرى خاصة تلك المرتبط بعقلية الفلاح والريف المصرى، ومع مطلع الألفية الجديدة كانت ظهرت العديد من المبادرات والأفكار حول عودة المشروع، وبدأ بالفعل فى العمل تحت إشراف الفنان أحمد إسماعيل، قبل أن يتوقف مع حلول عام 2011.
المسرح عاد مرة أخرى على يد المخرج أحمد اسماعيل صاحب فكرة المبادرة التى بدأت عملها منذ 6 سنوات فى قرى عدد من المحافظات مثل الإسماعيلية، الغربية، الدقهلية، الفيوم، اسيوط وقنا، لكن يبدو مبلغ الميزانية المقررة من وزارتى التربية والتعليم والثقافة، لا يسمح بعمل فعاليات كثيرة بمختلف المحافظات، حيث أن الميزانية الإجمالية تبلغ نحو 250 الف جنيه فقظ.
ومنذ سنوات كانت تخطط الهيئة العامة لقصور الثقافة لعودة المسرح المتنقل، حيث صرح الدكتور صبحى السيد مدير عام الإدارة العامة للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة السابق، فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، كما أنه يسعى لتطبيق ما يسمى بالتجارب النوعية، وذلك بالتعاون مع وزارتى الثقافة والآثار، وذلك حتى يتمكن مع عمل عروض مسرحية على مسارح مفتوحة بالأماكن الآثرية، والمفتوحة، على أن تكون هذه المسارح بمفهوم المسرح الصيفى، حيث يتناسب مع مناخ البلاد الصيفى أغلب العام.