تقدم الكاتبة حنان أبو الضياء، شبه دراسة بين العمل الفنى المقدم سينمائيا، ومصادره من القرآن والإنجيل والتوراة، وما تضمنه من إسرائيليات وشطحات فنية، عبر كتاب بعنوان "المسكوت عنه فى سينما الأنبياء"، والصادر عن دار إنسان للدراسات والطباعة والنشر، حيث توضح الكاتبة وترصد مجموعة من الشطحات الفنية الخاطئة حول تناول وتجسيد سير الأنبياء من خلال قراءة فى الأفلام السينمائة التى تم تنفيذها.
وتوضح الكاتبة من خلال كتابها "المسكوت عنه فى سينما الأنبياء"، أن فيلم "بداية الخلق من آدم حتى إبراهيم عليهما السلام"The Bible In The Beginning 1966 ، القاعدة الدرامية النموذجية للأفلام التى تتأرجح سيناريوهاتها بين الحقيقة والخرافة، ولأن الفيلم أحداثه مأخوذة من التوراة، لذلك سنجد أحداثًا كثيرة متوافقة مع ما جاء بالقرآن الكريم، وأخرى من الإسرائيليات التى حرفت الكلم عن موضعه، توزيع شركة فوكس القرن العشرين ومن المعروف أن أعضاء الجماعة اليهودية ولعبت تلك الشركة دورًا كبيرًا فى إنتاج أفلام عن الأنبياء اعتمدت فى تقديمها على ترسيخ الإسرائيليات فى العقول.
وتكمل الكاتبة عبر كتابها: بداية من مشاهد بدء الخليقة ونشأة الأرض، حاول المخرج جون هيوستن إظهار هذا الانفجار العظيم، وخلق الله السماوات السبع والأرضين السبع فى ستة أيام، ولقد تناول الفيلم أحداث الخلق كما ذكرت فى الإصحاح الأول من سفر التكوين ورغم وجود خلطًا كبيرًا فى ترتيب بعض مراحل خلق مكونات هذا الكون فى النص الوارد فى سفر التكوين منها تقديم خلق الليل والنهار على خلق الشمس علمًا بأن ظاهرة الليل والنهار مرتبطة بوجود الشمس، بل إن النص ذاته قد أشار فى أحداث اليوم الرابع إلى هذه الحقيقة فقال: "لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِى جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ".
وتشير الكاتبة إلى أن الفيلم "ينقل نقل مسطرة كما يقال"، ومن الأخطاء أيضًا تقديم خلق النباتات بجميع أنواعها على خلق الشمس، مع العلم بأنه لا يمكن للنباتات بأى حال من الأحوال أن تعيش بدون الطاقة الشمسية التى تحتاجها فى عملية التركيب الضوئى، ومن الأخطاء أن الشمس والقمر والنجوم قد تم خلقها فى اليوم الرابع، بينما تم خلق الأرض فى اليوم الأول، وهذا ما لا يقبله العقل، فلا وجود للأرض بدون الشمس.
وتعود الكاتبة إلى الحقائق التى وردت فى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بخصوص أحداث خلق الكون، فتقول :لقد أكد القرآن أولا على أن الله قد خلق السماوات والأرض فى ستة أيام منها قوله تعالى: "الله الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولى ولا شفيع أفلا تتذكرون"، كما يحدثنا القرآن، بأن الشيطان هو الذى أغوى آدم وحواء بأن يأكلا من الشجرة، ولكن الفيلم الذى يسير على نهج التوراة فإن الحية هى التى أغوت حواء وحواء هى التى أغوت آدم بدورها، للأكل من الشجرة!.....
ولفتت الكاتبة، إلى أن الفيلم تناول أول جريمة فى تاريخ البشرية وكان الحوار والسيناريو كما فى سفر التكوين "حدث من بعد أيام أن قابيل قدم من أثمار الأرض قربانا للرب، وقدم هابيل أيضًا من أبكار غنمه، ومن سمانها، فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قابيل.. وقربانه لم ينظر، فاغتاظ قابيل جدًا وسقط وجهه . فقال الرب لقابيل لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك ؟ إن أحسنت أفلا رفع؟؟، ومن الملاحظ أن الفيلم وفق فى رصد حقيقتين اثنتين لا ثالث لهما واختلا فيما عداهما، اتفق فى : مسألة القربان . وفى قتل أحد الأخوين للآخر. أما فيما عدا هاتين النقطتين فإن ما ورد فى القرآن يختلف تمامًا عما ورد فى الفيلم
ويوضح الكتاب، أما الأكذوبة الكبرى التى تنشرها الإسرائيليات عبر وسائل الإبداع المختلفة فهى أن إسحق هو من افتداه الله بكبشٍ عظيم، وليس إسماعيل، وهذا ما ركز عليه الفيلم، كما أعطت سارة الطاقية التى يرتديها اليهود عندما خرج مع إبراهيم . كما أن الفيلم يركز أن وحى الله طلب من إبراهيم أن يذبح ابنه الوحيد إسحق فى إشارة إلى عدم وجود إسماعيل فى ذلك الوقت!؛ رغم أن المشاهد السابقة أشارت إلى وجود إسماعيل وأمه فى البرية!
وأشار الكتاب، أن السينما العالمية قدمت فيلمان مشهورين فى مصر عن النبى موسى بعنوان الوصايا العشر The Ten Commandments الأول صامت يحكى قصة حياة موسى النبى وخروج شعب إسرائيل من مصر تم إنتاجه عام 1923 وكان من إخراج "سيسيل دى ميل" وبطولة ثيودور روبرتس فى دور موسى النبى والعجيب أن فرعون لم يغرق فى البحر الاحمر كما جاء فى القرآن الكريم؛ بل عاد إلى قصره سالمًا، وسيدنا موسى دعا ربه لكى يبتلى السامرى بمرض أن لا يمكن أن يلمسه أى شخص بسبب فعلته بالعجل، وهذا لم يظهر فى الفليم. وفيلم موسى كغيره يركز على مقولة شعب الله المختار وإخراجه من أرض العبودية والقهر "مصر" إلى الأرض الموعودة لهم أرض العسل واللبن!.. وعندما يذهبا موسى وهارون إلى فرعون فإن هارون يطلب منه إطلاق أهله فى البرية ليعبدوه، الطريف أن موسى فى الفيلم يتراجع ثانية عن تصديق نبؤته، فلا يكون من أخيه إلا أن يسأله: كيف نؤمن بك ونصدقك وأنت لا تصدق نفسك!...
فيلم«The Last Tempation of Christ» يصور العلاقة بين السيد المسيح ومريم المجدلية بطريقة أثارت غضب المسيحيين والمسلمين وقدم المخرج للمحاكمة فى روما والأكثر إثارة للاشمئزاز مافعله التليفزيون الإسرائيلى؛ فى القناة العاشرة، وفى برنامجه الفكاهى قال المذيع الصهيونى ليئو شلاين بعد أن عرض صورًا غير أخلاقية بعبارات لا تليق بالمسيح والسيدة العذراء: «إن مريم لم تكن عذراء ومن يزعم ذلك فهو كاذب ومضلل فلا تصدقوا الكنسية ولا بابا الفاتيكان... مريم حملت بطفلها يسوع من أحد زملائها على مقاعد الدراسة عندما كانت فى الخامسة عشرة من عمرها وأراد أهلها تزويجها بعد ذلك فلا تصدقوا كل ما قيل عن هذه القصة» وعن السيد المسيح قال ساخرًا: يزعم المسيحيون أن المسيح كان يسير على شاطئ بحيرة طبرية وهذا كذب؛ لأن المسيح كان يخجل من نفسه؛ لأنه كان بدينًا ويرفض الخروج من البيت وعاش حياته فى عملية ريجيم حمية قاسية..
وتابعت الكاتبة: ولأن الدين والسياسة فى عالم السينما العالمية يختلطان فإن فيلم ابن الرب يتناول قصة حياة المسيح ويلعب فيه دور الشيطان شخص شبيه بالرئيس الأمريكى باراك أوباما، تم حذف المشاهد المثيرة للجدل التى يظهر فيها الممثل المغربى شبيه الرئيس أوباما والذى يقوم بدور الشيطان يذكر أن نشر صورة الشيطان وصورة أوباما جنبًا إلى جنب قد أثارت عاصفة على شبكات التواصل الاجتماعى الأمر الذى دفع منتجى الفيلم فى وقت لاحق لإصدار بيان يمتدحون فيه الرئيس الأمريكى ويهاجمون أولئك الذين قاموا "بربط عبثي" بين أوباما والشيطان.... ابن الله "Son of God" والذى يتحدث عن حياة السيد المسيح منذ طفولته حتى موته وقيامته, يبدأ بالإشارة إلى بدأ الخليقة ويستعرض طوفان نوح، ويشير كما يدعى اليهود إلى أن إسحق هو ذبيح الله، ثم إلى غرق فرعون من مشاهد سريعة متلاحقة نفذت بإبهار لتكون بمثابة التمهيد لظهور المسيح
كما قالت الكاتبة عن فيلم "الإسلام : حكاية لم تروَ" Islam: The Untold Story ، إنه فيلم وثائقى كتابة وبطولة الروائى الإنجليزى والمؤرخ التاريخى توم هولاند حيث يستكشف الفيلم أصل إسلام وظهور الديانة الإبراهيمية فى شبه الجزيرة العربيّة فى القرن السابع، فينتقد قصة الديانة الحنيفية لهذا التاريخ، حيث يدعى افتقاد هذه القصة التقليدية للأدلة الداعمة الكافية
أما الفيلم المسيء للرسول والإسلام فهو فتنة fitna هو فيلم من إنتاج السياسى الهولندى خيرت فيلدرز يبدأ الفيلم بصورة داكنة لكتاب يفتح على بياض داكن أيضًا ثم تظهر فى يسار البياض الصورة الكاريكاتورية للنبى محمد التى اشتهرت من بين الرسوم الدنماركية وبعمامته فتيل قنبلة مشتعل لتظهر جملة تشير للآية 60 من سورة الأنفال"، وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم.." مرتلة بصورة إمام صلاة الجماعة فى مكة لتظهر بعدها صورة الطائرة التى تخترق أحد برجى مبنى لتجارة العالمى فى نيوريوك فى الحادى عشر من سبتمبر 2001. ثم صور تفجيرات أخرى وصراخ ليظهر صوت إمام يدعو على غير المسلمين.. مع موسيقى تصاعدية وأصوات تفجيرات وصراخ ليعود ظهور الصفحات البيض من الكتاب وهذه المرة تُظهر آية 56 من سورة النساء مكتوبة فى الصفحة اليسرى وصورة لصفحة من القرآن فى اليمن مع صوت المؤذن ذاته يرتل الآية : "الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب"...
وتقول الكاتبة إن السينما العالمية استغلت شخصية سيدنا سليمان بشكل سياسى لتصفية الصراع العربى الإسرائيلى وخاصة أنها لا تؤمن بكونه نبى ولا بمعجزاته، ومن الأفلام التى تناولت قصة سيدنا سليمان هناك فيلم ملكة سبأ بطولة بيتى بلايث – 1921م، وفيلم ملكة سبأ بطولة الإيطالية ليونورا روفو 1952م، قد اعتمدت الصهيونية ضمن هذه النوعية من الأفلام، على ناحيتين: الأولى استخدام القصص الدينية المأخوذة من الكتب المقدسة وتفسيرها بما يخدم الأهداف الصهيونية، والثانية: تسخير التاريخ وتزييفه وتوظيفه لصالح "الشعب المختار" لتأكيد مفاهيم عدة تخدم استراتيجيتها.