نقرأ معا كتاب "فى حقائق الوجود.. مدخل إلى الأسطورة" لـ محمود يوسف خضر، وينطلق الكتاب من فكرة التساؤل حول ماهية الفلسفة، ولا غرابة فى أن يتساءل المرء: لماذا تعرضّتُ لتاريخ الفلسفة الإغريقية من دون سواها؟ إننى أروى تاريخ هؤلاء الفلاسفة الأوائل بشكل مبسط لأنهم أسسوا أنساقًا فلسفية شكلت بدايات للوعى الإنسانى المؤسس على التفكير العلمي، بعيدًا عن الحكمة، ومنفصلًا عن الخرافة. كما أنه لا يمكن فهم الحضارة الأوروبية من دون معرفة الحضارة الإغريقية، التى تشكّل الفلسفة اليونانية عمودها الفقري.
يقول الكتاب:
قــــد يبــــدو للوهلــــة الأولــــى أن مــــا يمكننــــا قولــــه عــــن الفلســــفة قــــد قيــــل، وأن أيــــة إضــــافة محكومـــة بــالإخفاق. ولكنــى آثــرت الســير بــين علامــات الاســتفهام والتعــجُّب، واستخدمت لغة لا تقول حقيقة ما ترسمه الحروف، بقدر حاجتها إلى التأويل. ولذلك مزجتُ فى القسم الأول - فى مجموعة مقالات - ما بين الأسطورة الإغريقية وموضوعات فلسفية، كالأخلاق والجمال والفن والزمن. وتحدثتُ، فى القسم الثاني، عن ميلاد الفلسفة اليونانية. وتناولت، فى القسم الثالث، إشكالية عقوبة الإعدام، كمشكلة فلسفية أخلاقية، أردتُ الدفع بها إلى السطح، للجدل حولها، على الرغم من إدراكى أنها لا تأتى فى مصاف المشكلات الكبرى، كالوجود والعدم، أو الخير والشر.
وطــالما أننــا دخلنـا إلـى محـراب الفلسـفة، فـإننا بـذلك نكـون قـد تنـاولنا موضـوعاً متـرامى الأطـراف، مليئـاً بـالأفكار غـير المحـدّدة، التـى دائمـاً مـا نعثـر فيـها علـى شـيء مـن الصواب، وكذلك على شيء من الخطأ.
وعندما يتبادر إلى الذهن التساؤل حول ماهية الفلسفة، فإننا بذلك نكون قد وضعنا أنفسنا خارج الفلسفة وبمعزل عنها، بينما الهدف من هذا الكتاب هو أن «نتفلسف»، ونسأل: ما هو الوجود؟ ماذا يجب أن نفعل؟ ما هى الحقيقة؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت موجودة منذ القدم، وهى مطروحة الآن، وستبقى إلى الأبد، وقد نخفق فى الإجابة عنها مرة تلو أخرى. لكن، يبقى التفكير فى الإجابة عن تلك الأسئلة هو: الفلسفة.
كانت الفلسفة، والحكمة، والكثير من العلوم، تشكّل حقلاً واحداً، وبمرور الزمن خرجت علوم الكيمياء والرياضيات والفلك وغيرها، من تحت عباءة الفلسفة، وأصبحت العلوم أكثر تخصّصاً، وغدا تاريخها هو تاريخ تحرّرها من الفلسفة التى أخذت تضيق رقعتها.