نسمع دائما عن عبد الله النديم (1842 – 1896) خطيب الثورة العرابية، الذى خاض تجربة مهمة فى الهروب من السلطة، لكن معظمنا لا يعرف أن النديم، بعدما تم القبض عليه ونفيه إلى الشام، صار يمدح الخديوى توفيق وعند موته رثاه بقصيدة، ويمكن أن نتأكد من ذلك فى مجلة "الأستاذ" التى كان يرأس تحريرها النديم نفسه.
يقول عبد الله النديم فى المجلة فى العدد رقم واحد والذى صدر فى 24 أغسطس من عام 1892، تحت عنوان "شكر النعم": أيها المتطلع لغريب الأخبار أصغ لى أذنك وأفرغ لى ذهنك من صوارفه عنى واسمع النبأ الحق من لسان الصدق فإذا انتهيت منه فكن معى من الشاكرين.
فى اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر الماضى عثرت الحكومة المصرية على بدلالة رجل من قرية الجميزة من قرى مركز السنطة التابع لمديرية الغربية، فاشتعلت نيران الأفكار وكثرت الظنون واختلفت الآراء ولم يبق ذو روح فى الديار المصرية إلا وهو يهجس ويخمن بما سيكون من شأنى، وكان العطب أقرب عند الجمهور من السلامة وبينما هم فى حيص بيص فاجأهم الأمر الكريم بسفرى إلى الأٌقطار الشامية المحروسة ممتعا بحياتى ممنوحا مادة معاشى مرسلا على صورة التكريم والإجلال موعودا بدوام العناية بى مبشرا بقرب العفو عنى، فامتلأت قلوب الأحباب سرورا وانطلقت ألسنتهم بالثناء على الحضرة الخديوية التوفيقية وانتفخت أوداج أعداء الإنسانية غيظا على سلامتى وغضبا من حلم أمير العفو طبيعته، وما انتهى من مذنب إلا بإغراء أو غلبة آراء، أما أنا فقد خصصت أوقاتى لذكر المحاسن التوفيقية والمراحم المحمدية كلما جلست فى مجلس فضل بين من تقوم صدورهم مقام صحف التاريخ والتزمت الدعاء له ولأنجاله الكرام حتى صار وردا لى فى غالب الأوقات، وبينما أنا فى بستان نعمته أجيل الفكر فى فضائله ومناقبه فاجأنى خبر انتقاله من دار الفناء إلى دار البقاء حيث دعاه مولاه فلباه، مستعيضا ملك مصر الصغير بجنة عرضها السموات والأرض، فجرت أنهر الدموع حزنا وضاق وسيع الصدر كمدا وأسفا والتفت لسان المدح والثناء إلى جانب التأبين والرثاء، فأنشدت قصيدتى الدالية الغريبة فى بابها ومطلعها وما بعده:
ما للكواكب لا ترى فى المرصد/ الكون أصبح فى لباس أسود
عم الكسوف الكل أم فقد الضياء/ أم كلنا يرنو بمقلة أرمد