عاشت الأديبة الراحلة مى زيادة، التى تمر ذكرى ميلادها الـ 135، إذ ولدت فى 11 فبراير عام 1886م، تجارب متتالية من الفقدان، رحل والدها فجأة بسكتة قلبية عام 1928، ثم رحل جبران خليل جبران حبيبها بعده بعامين، ثم ماتت والدتها، وعانت حزن وحداد كبير، وقد وصف مثقفون جنونها بأنه حالة مبالغ فيها من الحداد".
فى وقت لم يكن مسموح فيه للمرأة بالظهور، أنشأت صالونها الثقافي، الذى يعقد كل ثلاثاء، ويحضره العديد من الأدباء، كما كتبت فى كبرى الصحف، ومن هنا كان اللقاء الفكرى ثم التقارب الروحى الذى جعل كبار هؤلاء الأدباء يحبونها ومنهم: «أحمد شوقي، وعباس محمود العقاد، والشيخ مصطفى عبدالرازق، والشاعر ولى الدين يكن، وجبران خليل جبران» وهو الحب الذى جعلهم، ينظمون فيها قصائد الشعر والنثر، ويكتبون فيها ما لم يكتبه أحدهم فى غيرها.
فى سنواتها الأخيرة، وبعد تجار الفقد العديدة، عزلت مى زيادة نفسها وكانت كئيبة حزينة تكتب عن المآتم والجنائز، زاد الأمر سوءًا حصولها على ميراث كبير طمع فيه أبناء عمومتها، الذين حبسوها فى بيتها، فأضربت عن الطعام وكان هذا مبررا للإدعاء بأن لديها ميولا انتحارية، وأدخلت مستشفى "العصفورية" بعد حقنها بالمورفين، خسرت مى العائلة ومكانتها كأديبة ومفكرة، وحقوقها القانونية كإنسان عاقل.
قصة الجنون المزعوم للشاعرة والناقدة النسوية اللبنانية مى زيادة (1886-1941)، التى كانت موضوع نقاش محاضرة ألقتها الأكاديمية اللبنانية لمياء مغنية، افتراضيا، بتنظيم من "مركز الدراسات العابرة للمناطق" فى برلين، يناير 2021، وخلالها وصفت أمرالبحث فى حياة مى زيادة صاحبة "ظلمات وأشعة" كما لو أنه "رحلة بحث عن كنز"، يتوهم الجميع أنه موجود فى مكان ما.
جاءت المحاضرة بعنوان "النسويات المجنونات: مى زيادة والنهضة وعلم الاكتئاب فى لبنان ما بعد الحرب العالمية الأولى"، وبدأتها الباحثة بـ "كيف انتهى الأمر بمى زيادة فى العصفورية (مستشفى الأمراض النفسية فى لبنان)؟ لقد عاشت تجارب متتالية من الفقدان، رحل والدها فجأة بسكتة قلبية عام 1928، ثم رحل جبران بعده بعامين، ثم ماتت والدتها. كانت تعانى من حزن وتعيش فى حداد كبير، وقد وصف مثقفون جنونها بأنه حالة مبالغ فيها من الحداد".
مكثت فى "العصفورية" 10 أشهر ونصف الشهر، ثم نقلت إلى مستشفى نفسى آخر 10 أشهر أخرى، وبعد ضغوط كبيرة من شخصيات مهمة سياسية مثل ملك الأردن عبدالله الأول، وثقافية مثل أمين الريحاني، أخرجت إلى مستشفى الجامعة الأميركية وبقيت 3 أشهر. دخلت بعدها فى معارك قانونية، فدعاها محاموها لإقامة محاضرة تثبت صحتها العقلية فكتبت "رسالة الأديب إلى أهله" لتثبت أنها ما زالت تلك المثقفة اللامعة، وبفضل ذلك ألغى عنها الحجر والوصاية القانونية عام 1938.