من الشخصيات المثيرة فى التاريخ الإسلامى "محمد بن أبى بكر" فقد ظهر اسمه قويا فى زمن الفتنة الكبرى، وإن اختلف الناس حول دوره فيها، ولكن قبل ذلك هل كان محمد بن أبي بكر صحابيا أم تابعيا، ونعتمد فى ذلك على كتاب "محمد بن أبى بكر الصديق.. حياته وأحواله زمن الفتنة" لـ نضال عباس دويكات.
حياة محمد بن أبى بكر
محمد بن أبى بكر (10 هـ ـ 38 هـ) هو محمد بن أبى بكر الصديق، وأمه أسماء بنت عميس، ولد فى كنف أبيه عام حجة الوداع وقت الإحرام 10 هـ حتى توفى أبو بكر الصديق بعد زمن ليس بكثير من ولادته، فتزوج على بن أبى طالب أسماء بنت عميس. وتربى محمد فى بيت على كولد من ولده.
وتزوج محمد بن أبى بكر بنت كسرى وكان له ابن واحد هو العالم الفقيه القاسم بن محمد بن أبى بكر الذى خرج من مصر وهو طفل 7 سنين بعد مقتل أبيه محمد وأمه فى مصر، وقد أخذه عمه عبد الرحمن بن أبى بكر إلى المدينة المنورة بعد مقتل أبيه وأمه وتربى فى منزل النبى محمد فى كنف أخته السيدة عائشة بنت أبى بكر.
تجمـع كتـب الـسير والتـراجم والرجـال علـى أن مولـد محمـد بـن أبـى بكـر كـان فـى حجـة الـوداع فـى عقب ذى القعـدة مـن الـسنة العاشـرة للهجـرة، و قـد كـان ذلـك فـى وقـت الإحـرام، وقد ورد فى الحديث الصحيح (عن جابر بـن عبـد االله رضـى االله عنهمـا، فـى حـديث أسـماء بنت عميس حين نفست بذى الحليفة أن رسول االله صلى االله عليـه وسـلم، أمـر أبـا بكـر رضـى االله عنه، فأمرها أن تغتسل وتهل)، وفى الحـديث عـن عائـشة رضـى االله عنهـا (قالـت: نفـست أسـماء بنـت عمـيس بمحمـد بـن أبـى بكـر بالـشجرة، فـأمر رسـول االله صـلى االله عليـه وسـلم أبـا بكـر، يأمرهـا أن تغتـسل وتهـل).
واختلف العلماء فى شأن محمد بـن أبـى بكـر الـصديق هـل هـو صـحابى أم تـابعى؟
ومـن المعلـوم أن عمر محمد بن أبى بكر عندما توفى رسول االله صلى االله عليه وسلم كان ثلاثة شهور وأيـام، لمـا يـرى أو يـسمع مـن الرسـول عليـه الـسلام فـى مثـل هـذا العمـر، ولكنـه أى أنـه لـم يكـن مميـزا حصل له اجتماع بالنبى صلى االله عليه وسلم ول ، ذلك أثبت البعض له الصحبة وعده من صغار الصحابة الكرام ، والبعض نفى عنه الصحبة وأكد أنه من كبار التابعين .
علماء صرحوا بصحبة محمد بن أبى بكر الصديق
وممن صرح بالصحبة لمحمد بن أبى بكر الصديق الإمام السيوطى فى كتابه تدريب الراوى فقال:
(مــن رأى النبــى - صــلى االله عليــه وســلم - غيــر مميــز، كمحمــد بــن أبــى بكــر الــصديق، فإنــه صحابى، وحكم روايته حكم المرسل لا الموصـول، ولا يجـيء فيـه مـا قيـل فـى مراسـيل الـصحابة، لأن أكثـر روايـة هـذا أو شـبهه عـن التـابعين بخـلاف الـصحابى الـذى أدرك وسـمع، فـإن احتمـال) روايتـه عـن التـابعين بعيـد جـدا، وكـذلك عـده مـن الـصحابة المنـاوى القـاهرى فـى كتابـه اليواقيـت والدرر فى شرح نخبة ابن حجر، وعده الإمام السخاوى من الصحابة فقال (وأما الـصغير غيـر المميز، كعبد االله بن الحارث بن نوفل، وعبد االله بن أبى طلحـة الأنـصاري، وغيرهمـا ممـن حنكـه النبى - صلى االله عليه وسلم - ودعا له، ومحمد بن أبى بكر الصديق المولود قبل الوفاة النبويـة - بثلاثة أشهر وأيام، فهو وان لم تصح نـسبة الرؤيـة إليـه، صـدق أن النبـى صـلى االله عليـه وسـلم رآه، ويكون صحابياً من هذه الحيثية خاصة وعليه مشى غير واحد ممن صنف فى الصحابة )، وللإمام ابن كثير رحمه االله كلام يفهم منه أنه يعتبر محمد بن أبى بكر من جملة الصحابة حينما تكلم عن الفتنـة ومجرياتهـا وقتـل الخليفـة الراشـد عثمـان بـن عفـان رضـى االله عنـه وتبرئـة الـصحابة من دمه ومن ضمنهم محمد بن أبى بكر وهذا كلامه ( وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضى بقتله، فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضى بقتل عثمـان رضـى االله عنه، بل كلهم كرهه ومقته، وسب من فعله، ولكن بعضهم كان يود لـو خلـع نفـسه مـن الأمـر، كعمار بن ياسر، ومحمد بن أبى بكر، وعمرو بن الحمق وغيرهم).
علماء نفوا صحبته وعدوه من التابعين
كان لبعض العلماء رأى آخر بالنسبة لمحمد بن أبى بكر فقد رأوا أنه لـيس صـحابيا مـن الـصحابة بـل هــو تــابعي، ومــن هــؤلاء العلمــاء شــيخ الإســلام ابــن تيميــة رحمــه االله و ذكــر ذلــك فــى رده علــى الروافض فى كتابـه منهـاج الـسنة النبويـة فـى نقـض كـلام الـشيعة القدريـة حيـث قـال: (ومحمـد بـن أبى بكر إنما ولد عـام حجـة الـوداع بـذى الحليفـة، فـأمر النبـى صـلى االله عليـه وسـلم أمـه أسـماء بنت عميس أن تغتسل للإحرام وهى نفساء، وصار ذلك سنة، ولم يدرك من حياة النبى صـلى االله سلم إلا خمس ليال من ذى القعدة، وذا الحجة والمحرم، وصفر، وأوائل شـهر ربيـع الأول، ولا يبلـغ ذلـك أربعـة أشـهر، ومـات أبـوه أبـو بكـر رضـى االله عنـه وعمـره أقـل مـن ثـلاث سـنوات ولـم يكن له صحبة مع النبى صلى االله عليه وسلم ولا قرب منزلة من أبيـه، إلا كمـا يكـون لمثلـه مـن الأطفـال).