لعلنا نسمع عن أكل لحوم البشر وكأنه جزء من أساطير قديمة انتهت، ولم يعد لها وجود، ربما فى بعض المناطق البدائية فى الغابات الاستوائية وغابات الأمازون، لكن واقعة روسية أثبتت أن آكلى لحوم البشر لا يزالوا يعيشون وربما يكون بيننا، حيث أصدرت محكمة روسية حكماً بالسجن المؤبد مدى الحياة ضد شخص تم اتهامه بقتل ثلاثة من أصدقائه وأكل لحمهم فى عام 2017 وتم وصفه بـ"آكل لحوم البشر".
بالتأكيد عندما نسمع حكاية عن حادث عن أكل لحوم البشر، نشمئز من هذا الفعل، لكن الواقع يقول إن فى بعض الحضارات يعتبر أكل لحوم البشر هو آخر طوق للنجاة، فهو يستخدم كبديلٍ أخير للطعام للحفاظ على بقائنا، لكن ما هى التأثيرات الصحية المحتملة لأكل أحد أصدقائك؟
يشير كتاب "تاريخ فكرى لنزعة أكل لحوم البشر" جرى تقديمه على أنه ذلك "الإنسان المتوحش"، قبل أن يحظى باهتمام المفكرين ويغدو إحدى الأساطير التى تسكن خيالات البشر وتملأ حكاياته "المخيلة الشعبية"، بكل الحالات استمر النظر باستمرار لأكلة لحوم البشر على أنهم "بشر" يتواجدون فى أمكنة بعيدة عن أى حضارة، ومؤلف هذا الكتاب لا يشرح أسباب حضور "نزعة أكل لحم البشر" فى اهتمامات الفلاسفة فحسب، لكن يحاول أن يشرح أيضا أسباب زوالها.
ويحاول مؤلف الكتاب أن يقدم البراهين على أن "آكل لحوم البشر" كان، قبل كل شيء، مخلوقا "نظريا" يلقى مصيره الضوء على انحطاط نظريات الحق الطبيعي، وعلى بروز مفهوم الحداثة، هذا فضلا عن قيمة المعيارية فيما يتعلق بقيم الخير والشر، بهذا المعنى يؤرخ المؤلف للأفكار الخاصة بظاهرة "أكل لحم البشر" وموقعها فى الفكر والفلسفة على مدى مسيرة الفكر الغربى كلها.
وبحسب دورية "ساينتفك أمريكان" الأمريكية، فإنه لم يسلم تاريخ الإنسان نفسه من حالات تستعصى على الحصر، لا تبدأ طبعًا من بقايا العظام البشرية المُكتشفَة فى كهف "جُوف" بمقاطعة "سُومرسِت"، التى تؤكد آثار الخدوش عليها أن لحوم أصحابها قد نُهشَت -قبل 14700 عامٍ مضَت بأسنانٍ بشرية، ولا تنتهى حتمًا عند "ألبرتو سانشيز جوميز" الإسباني، الذى اعترف فى فبراير الماضى بقتل والدته المسنَّة وتقطيع جثتها إلى أكثر من ألف قطعة صغيرة طَهَى بعضها لالتهامها بمشاركة كلبه.
وحتى على أراضى بلادنا العربية رَصَد التاريخ حوادث تتجاوز ببشاعتها حدود الخيال، مثل التهام جنود الحملة الصليبية الأولى للحوم أهالى مدينة مَعَرَّة النعمان عام 1098، عقب حصار طويل، استسلم الأهالى فى نهايته بعد وعد الصليبيين لهم بالإبقاء على حياتهم، الذى أخلفوه فور فتح أبواب المدينة، وذبحوا حينها أكثر من عشرين ألف إنسان.
ومثل المجاعة المصرية التى حدثت عام 1201 فى سلطنة العادل الأيوبى، وكتب عنها المقريزى فى "إغاثة الأمة بكشف الغمة" قائلًا: "فتكاثَر مجيء الناس من القرى إلى القاهرة من الجوع، ودخل فصل الربيع، فهبَّ هواءٌ أعقبه وباءٌ وفناء، وعُدِمَ القوت حتى أكَلَ الناسُ صغارَ بنى آدم من الجوع، فكان الأب يأكل ابنه مشويًّا ومطبوخًا، والمرأة تأكل ولدها".
وبحسب عدد من الباحثين، وفى أوروبا، حتى القرن الـ18 كانت تُباع وتُشتَرى أجزاء من جسم الإنسان كأدويةٍ للاستعمالات الطبية، خاصةً العظام والدم والدهون. حتى أن القساوسة والملوك كانوا يستهلكونها باستمرار لمداواة وعلاج أى شيء بدايةً من الصداع حتى الصرع، وبدايةً من نزيف الأنف حتى النقرس.
فى بعض الثقافات عندما يموت أحد الأقارب، يستخدم أحباؤهم أجزاءً منهم ويأكلونها حتى يكونوا -حرفيًا- جزءًا منهم بعدما فارقوا الحياة.
بالطبع يبدو ذلك مزعجًا بالنسبة لأى شخصٍ متحضر، لكن بالنسبة لهولاء الذين يقومون بتلك الطقوس تبدو فكرة دفن جسدٍ قريبٍ لك فى التراب لتأكله الديدان ويتحلل بنفس الإزعاج.