نواصل إلقاء الضوء على كتب المفكر العربى الكبير زكى نجيب محمود "1905- 1993) ونتوقف اليوم مع كتابه "نظرية المعرفة"، ويقول زكى نجيب محمود في مقدمة كتابه: "تحليل "المعرفة" الإنسانية من شتى نواحيها، يُوشك أن يكون هو الشُّغل الشاغل للفلسفة منذ القرن السابع عشر حتى اليوم، أو هو — على الأقل — أهم مشكلة تناولتها الفلسفة فى هذه الفترة من تاريخها، ولو تتبع هذه المشكلةَ مؤرخٌ ليَرى كيف نشأتْ، ثم كيف نمت وتطورت وتعددت فيها الآراء وتشعبت المذاهب، لوجد نفسه متتبعًا لتاريخ الفلسفة فى عصرها الحديث.
ويضيف: لكننى فى هذا الكتاب لم أتناول المشكلة على أساسٍ تاريخى يجعل الأسبق منها فى الظهور الزمنى أسبق كذلك فى تناوله بالبحث، بل تناولتها على أساس الموضوعات المختلفة التى تعرضت لها. وقد كان كل موضوع منها بمثابة سؤال ألقاه الفلاسفة على أنفسهم، ثم حاولوا الإجابة عنه كلٌّ حسب مذهبه: فما طبيعة المعرفة؟ وما مصدرها؟ وما حدودها؟
ويتابع: ولمَّا كنت قد قصدت بهذا الكتاب إلى طلبة السنة الثالثة الثانوية من قسم الآداب — وهم أولئك الذين يلتقون بالفلسفة فى دراستهم لأول مرة — فقد حاولت جهدى أن أعرِض الفكرة فى عبارة سهلة واضحة، مُكتفيًا من الموضوع بمعالمه الرئيسية، مجتنبًا كل ما قد يَعُوق الفهم الواضح من تفصيل أو استطراد أو إحالات إلى فلاسفة أو مؤلَّفات مما قد يجاوز مُستطاع الطالب فى هذه المرحلة الأولية من دراسته الفلسفية.