آلا أيها اللائمى أشهد الوغى/ وأن أنهل اللذات هل أنت مخلدى
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتى/ فدعنى أبادرها بما ملكت يدى
إنه طرفة ابن العبد، واحد من أشهر الشعراء العرب فى مرحلة ما قبل الإسلام، له معلقة شهيرة يعدها البعد أفضل ما قيل في ذلك الزمن المبكر من العربية، ويجمع الكل على أنها من عيون الشعر العربى، وقد عاش بين عامى 543 – 569، هي سنوات قليلة قضاها فى الحياة لكنها كانت كافية لخلوده.
لخولة أطلال ببرقة ثهمد/ تلوح كباقى الوشم فى ظاهر اليد
وقوفا بها صحبى على مطيهم/ يقولون لا تهلك أسى وتجلد
عاش طرفة بن العبد حياة صعبة يبحث عن أسئلة وجودية، فقد نشأ يتيماً توفى والده وهو صغير، فربته والدته بعد أن رفض أعمامه الذين كفلوه أن يعطوه نصيبه من إرث والده.
وإنى لأمضى الهم عند احتضاره، بعوجاء مرقال تلوح وتغتدى
آمون كألوان الإران نصأتها/ على لاحب كأنه ظهر برجد
تقول كتب التراث إنه عاش طفولة لاهية، وعندما شب فتح عينيه على الحياة، وقذف نفسه فى أحضانها يستمتع بملذاتها، فضاقت قبيلته بتصرفاته فطردته.
إذا القوم قالوا من فتى خلت أننى/ عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
أحلت عليها بالقطيع فأجذمت/ وقد خب آل الأمعر المتوقد
كانت تجربة "طرفة" غريبة، لم يسع للبحث عن ذاته بل عمل على ضياعها، عرف أن قدره غير ملائم لروحه، فراح يعبث بكل شيء، حتى كانت النهاية ولها قصة:
كان طرفة بن العبد كثير الترحال، استقرّ أخيراً فى أرض الحيرة، وجمعته علاقة بملكها عمرو بن هند، إلّا أنّ هذه العلاقة لم تستمر، فقد هجا طرفة الملك، ممّا دفع الأخير إلى كتابة كتابين اثنين إلى شخص يُدعى المكعبر فى البحرين، الكتاب الأول يوصله المتلمس وهو خال طرفة، والكتاب الثانى يوصله طرفة، وقد أخذ كل منهما الكتاب دون قراءته، وفى طريقهما إلى المكعبر وجدا غلاماً؛ فطلب المتلمّس من الغلام قراءة الكتاب، فقرأ الغلام (من عمرو بن هند إلى المكعبر إذا جاءك كتابى هذا مع المتلمس فاقطع يديه، ورجليه، وادفنه حيّاً)، فرمى المتلمس الكتاب فى النهر، وقال لطرفة بأنّه يملك مثلها، إلّا أنّ طرفة قال: (ما كان ليفعل ذلك فى عقر دارى)؛ فوصل طرفة المكعبر، فقطع يديه ورجليه ودفنه حياً.