صارالأمر واضحا للعيان أن النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، خرج لـ فتح مكة، ولكن علينا أن نعرف كم كان عدد المسلمين الخارجين معه، ومتى خرجوا على وجه التحديد، وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "فصل استخلاف كلثوم بن حصين الغفارى على المدينة":
قال ابن إسحاق: حدثنى محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: ثم مضى رسول الله ﷺ لسفره، واستخلف على المدينة أبا رهم، كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفارى.
وخرج لعشر مضين من شهر رمضان، فصام وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد بين عسفان وأمج، أفطر.
ثم مضى حتى نزل مر الظهران فى عشرة آلاف من المسلمين.
وقال عروة بن الزبير: كان معه اثنا عشر ألفا.
وكذا قال الزهري، وموسى بن عقبة.
فسبعت سليم، وبعضهم يقول: ألفت سليم، وألفت مزينة، وفى كل القبائل عدد وإسلام.
وأوعب مع رسول الله ﷺ المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف عنه منهم أحد.
وروى البخارى عن محمود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهرى نحوه.
وقد روى البيهقى من حديث عاصم بن على، عن الليث بن سعد، عن عقيل، عن الزهرى، أخبرنى عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ غزا غزوة الفتح فى رمضان.
قال: وسمعت سعيد بن المسيب يقول مثل ذلك، لا أدرى أخرج فى ليال من شعبان فاستقبل رمضان، أو خرج فى رمضان بعد ما دخل؟
غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرنى أن ابن عباس قال: صام رسول الله ﷺ حتى بلغ الكديد - الماء الذى بين قديد وعسفان - أفطر، فلم يزل يفطر حتى انصرم الشهر.
ورواه البخارى عن عبد الله بن يوسف، عن الليث، غير أنه لم يذكر الترديد بين شعبان ورمضان.
وقال البخارى: ثنا على بن عبد الله، ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاووس، عن ابن عباس قال: سافر رسول الله ﷺ فى رمضان، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء فشرب نهارا ليراه الناس، فأفطر حتى قدم مكة.
قال: وكان ابن عباس يقول: صام رسول الله ﷺ فى السفر وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر.
وقال يونس: عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: مضى رسول الله ﷺ لسفرة الفتح، واستعمل على المدينة أبا رهم كلثوم ابن الحصين الغفاري.
وخرج لعشر مضين من رمضان، فصام وصام الناس معه، حتى أتى الكديد - بين عسفان وأمج - فأفطر، ودخل مكة مفطرا، فكان الناس يرون آخر الأمرين من رسول الله ﷺ الفطر، وأنه نسخ ما كان قبله.
قال البيهقي: فقوله خرج لعشر من رمضان، مدرج فى الحديث.
وكذلك ذكره عبد الله بن إدريس، عن ابن إسحاق.
ثم روى من طريق يعقوب بن سفيان، عن جابر، عن يحيى، عن صدقة، عن ابن إسحاق أنه قال: خرج رسول الله ﷺ لعشر مضين من رمضان سنة ثمان.
ثم روى البيهقى من حديث أبى إسحاق الفزاري، عن محمد بن أبى حفصة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: كان الفتح لثلاث عشر خلت من شهر رمضان.
قال البيهقي: وهذا الإدراج وهم، إنما هو من كلام الزهري.
ثم روى من طريق ابن وهب، عن يونس، عن الزهرى قال قال: غزا رسول الله ﷺ غزوة الفتح - فتح مكة - فخرج من المدينة فى رمضان، ومعه من المسلمين عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمانى سنين ونصف سنة من مقدمه المدينة، وافتتح مكة لثلاث عشرة بقين من رمضان.
وروى البيهقى من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ خرج فى رمضان، ومعه عشرة آلاف من المسلمين، فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر.
فقال الزهري: وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث.
قال الزهري: فصبح رسول الله ﷺ مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، ثم عزاه إلى الصحيحين من طريق عبد الرزاق، والله أعلم.
وروى البيهقى من طريق سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن عطية بن قيس، عن قظعة بن يحيى، عن أبى سعيد الخدرى قال:
آذننا رسول الله ﷺ بالرحيل عام الفتح ليلتين خلتا من رمضان، فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد، فأمرنا رسول الله ﷺ بالفطر، فأصبح الناس مرحى، منهم الصائم ومنهم المفطر، حتى إذا بلغنا المنزل الذى نلقى العدو فيه، أمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعين.
وقد رواه الإمام أحمد عن أبى المغيرة، عن سعيد بن عبد العزيز، حدثنى عطية بن قيس، عمن حدثه عن أبى سعيد الخدرى قال: آذننا رسول الله بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان، فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد، فأمرنا رسول الله ﷺ بالفطر، فأصبح الناس منهم الصائم ومنهم المفطر، حتى إذا بلغ أدنى منزل يلقى العدو أمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعون.
قلت: فعلى ما ذكره الزهرى من أن الفتح كان يوم الثالث عشر من رمضان، وما ذكره أبو سعيد من أنهم خرجوا من المدينة فى ثانى شهررمضان، يقتضى أن مسيرهم كان بين مكة والمدينة فى إحدى عشرة ليلة.
ولكن روى البيهقي، عن أبى الحسين بن الفضل، عن عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن سفيان، عن الحسن بن الربيع، عن ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن الزهرى ومحمد بن على بن الحسين، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعمرو بن شعيب، وعبد الله بن أبى بكر وغيرهم قالوا: كان فتح مكة فى عشر بقيت من شهر رمضان سنة ثمان.
قال أبو داود الطيالسي: ثنا وهيب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، عن عبد الله قال: خرج رسول الله ﷺ عام الفتح صائما، حتى أتى كراع الغميم، والناس معه مشاة وركبانا، وذلك فى شهر رمضان فقيل: يا رسول الله إن الناس قد اشتد عليهم الصوم، وإنما ينظرون كيف فعلت؟
فدعا رسول الله ﷺ بقدح فيه ماء، فرفعه فشرب والناس ينظرون، فصام بعض الناس، وأفطر البعض حتى أخبر النبى ﷺ أن بعضهم صائم، فقال رسول الله ﷺ: «أولئك العصاة».
وقد رواه مسلم من حديث الثقفي، والدراوردي، عن جعفر بن محمد.
وروى الإمام أحمد من حديث محمد بن إسحاق: حدثنى بشير بن يسار، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله ﷺ عام الفتح فى رمضان، فصام وصام المسلمون معه، حتى إذا كان بالكديد، دعا بماء فى قعب وهو على راحلته فشرب والناس ينظرون، يعلمهم أنه قد أفطر، فأفطر المسلمون.