ودع هريرة إن الركب مرتحل/ وهل تطيق وداعا أيها الرجل
غراء فرعاء مصقول عوارضها/ تمشى الهوينا كما يمشى الوجى الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها/ مر السحابة لا ريث ولا عجل
هذا مطلع معلقة الأعشى، واسمه ميمون بن قيس، كان يكنى بـ أبى بصير، ويلقب بالأعشى، وهو واحد من شعراء الطبقة الأولى بين شعراء الجاهليّة كما صنّفه ابن سلّام الجمحى فى كتابه الطبقات.
إذا تقوم يضوع المسك أصورة/ والذنبق الورد من أردانها شمل
ما روضة من رياض الحزن معشبة/ خضراء جاد عليها مسبل هطل
يضاحك الشمس منها كوكب شرق/ مؤزر بعميم النبت مكتهل
كان الأعشى من الشعراء الذين يتكسّبون بشعرهم، بل هو أوّل من تكسّب بشعره، كما يذهب طائفة من مؤرّخى العرب، وكان كثير التردّد على الملوك وذوى الجاه والسلطان يمدحهم لينال ما فى أيديهم من مال ونحوه من الأعطيات.
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعنى/ شاو مشل شلول شلشل شول
فى فتية كسيوف الهند قد علموا/ أن ليس يدفع عن ذى الحيلة الحيل
وذكر ابن كثير أنّ الأعشى فى آخر حياته اتجه إلى مدينة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قاصدًا النبى، عليه الصلاة والسلام- ليسلم، وكان قبل أن يتجه إلى المدينة أنشد قصيدة فى مدح رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقول فى مطلعها
أَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةً أَرْمَدَا
وَبَتَّ كَمَا بَاتَ السَّلِيمُ مُسَهَّدًا
ويضيف ابن عساكر أنّه لمّا كان فى مكة أو قريبًا منها إذا بجمعٍ من مشركى قريش يعترضه وقد سمعوا أنّه يريد الإسلام، فسألوه أين تريد؟ فقال إنّه يريد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليعلن إسلامه، وكان معهم آنذاك أبو سفيان بن حرب وكان سيّد مكّة بعد هلاك رؤوس الكفر آنذاك، فقال أبو سفيان للأعشى: إنّ محمّدًا يمنعك الزنا، فقال إنّه قد كبر ولم يعد به حاجة للنساء، فقالوا يمنعك القمار، فقال ربما يعوضنى بما عنده فقالوا إنّه يمنعك الخمر، فقال إذًا أرجعُ فأنهى ما عندى من الخمر ثمّ أعود عامى القادم، فقالوا له إنّهم الآن فى هدنة، والغالب أنّه صلح الحديبية، فقالوا إذا كان العام القادم فإمّا أن نكون قد ظهرنا عليه فتبقى عندك وإمّا أن يظهر علينا فتعود وتسلم.
وأمر أبو سفيان بتجهيزه بمائة إبل قائلًا: "يا معشر قريش، هذا الأعشى والله لئن أتى محمدًا واتّبعه ليُضرمَنّ عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مئة من الإبل"، فجمعوا له مئة من الإبل وأخذها، ولكن فى طريقه قرب اليمامة رمى به بعيره فوقع عنه ومات.