"النقد كتابة عن كتابة، ولكى تغوص الكتابة الناقدة فى أحشاء الكتابة المنقودة، لا بد لصاحبها أن يتذرع بكل وسائل النقد فلا يترك أداة صالحة إلا استخدمها، فإن كان العمل بجمع الأدوات دفعة واحدة أمرًا عسرًا، وإنه لعسير، لم يكن بد من تقسيم العمل الواحد بين مجموعة من النقاد، لينظر كل منهن من زاوية مختلفة، وليستخدم كل منهم أداة"، هكذا قال الفيلسوف الراحل زكى نجيب محمود فى مقدمة كتابه "فى فلسفة النقد" الصادر عام 1979، وهو كتاب يقدم فيه خلاصة فكرته عن النقد وما وصل إليه فى زمنه.
فى الكتاب دعوة إلى انتفاضة فى مجالات الفكر بدءًا من اللغة وليس انتهاء بالفلسفة، وكان يرى أن فى أحادية النظرة والأفكار والتصورات المسبقة والخرافات تقف حائلاً أمام نضوج الثقافة.
وفى الكتاب يوضح المؤلف أن مرحلة النقد الفنى هى مرحلة ثانية تاتى بعد مرحلة الذوق أو التذوق وهى مرحلة يقوم فيها الناقد بعملية تحليلية أى بعملية فكرية لا ذوقية إذ يحاول أن يلتمس المواضع والعناصر التى تدخل فى تركيب الشئ المنقود والتى كان من شانها ان تحدث ما قد احدثته من أثر إبان عملية التذوق.
ووفقا لقراءة للكاتب العراقى نور على الدفاعى، فأنه على الضد من كتب النقد الأخرى فلم يتناوله من زاويته النظرية الجامدة بل على العكس من هذا فقد ثار، زكى الفيلسوف، على ما حل بالنقد من جمود وما قيده من مذاهب يبتعد بها عن النص الذى ينقده، فقد دعا مثلاً إلى البدء بقراءة الأثر الأدبى أو النص الأدبى ليرى القارئ النافذ كيف يفهمه مع التعليل والتوضيح بدل أن "يطنوا فى آذننا بأسماء المذاهب النقدية مجردة فى الهواء غيرنابعة من المادة المقروءة نفسها"، كذلك لأنه يرى أنه ضرب من قلب الأوضاع بأن يقدم الناقد نفسه على الأديب فيجعل منها رقيبة، محاسبة وهادية له، يلاحظ القارئ عشوائية الطرح لكن بنهايات متصلة يعزز ما سبقه ويبنى ما يليه، كما يقول هو نفسه "بين فصول الكتاب خيط رابط يتكشف للقارئ منها عند المضى فى القراءة، الفكرة الأساسية".