يترقب العالم لحظة خروج ملوك مصر من المتحف المصرى بالتحرير للمتحف القومى للحضارة المصرية، وذلك من خلال موكب ضخم يضم 22 مومياء لملوك مصر القدماء، فى إطار توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، بإتمام الأنشطة الأثرية والثقافية العالمية، وذلك على نحو يتسق مع عظمة وعراقة الحضارة المصرية القديمة، ويبرز جهود الدولة الجارية لتطوير وتحديث القاهرة وغيرها من المدن القديمة، ومن بين تلك الملوك أحمس نفرتارى، فما هى حكاية الملكة؟.
تعد الملكة أحمس - نفرتارى أول ملكات الأسرة الثامنة عشرة، والدولة الحديثة، الفترة الذهبية الثالثة من تاريخ مصر القديمة، وكانت ابنة الملك سقنن رع تاعا الثانى وزوجته إياح حوتب الأولى، وتزوجت من الملك البطل محرر مصر من الهكسوس، أحمس الأول.
ويقول كتاب "ملكات الفراعنة.. دراما الحب والسلطة"، للدكتور حسين عبد البصير، يعنى اسمها "ولد القمر-أجملهم (أو حلاوتهم)"، وهذا لا يجعلنا نخلط بينها وبين الملكة نفرتارى، زوجة الفرعون الأشهر الملك رمسيس الثانى فى عصر الأسرة التالية، الأسرة التاسعة عشرة، وحملت عددًا من الألقاب الملكية مثل "ابنة الملك" و"أخت الملك" و"الزوجة الملكية العظمى" و"أم الملك" و"زوجة الملك" و"الكاهنة الثانية للإله آمون "رب طيبة والدولة الحديثة الأشهر"، ومن خلال هذا اللقب منحها زوجها أحمس الأول وأبناءها للأبد العديد من الأوقاف، وكذلك منحها اللقب الدينى الجديد "الزوجة الإلهية للإله آمون" وجلب لها الكثير من الثروات.
وتمت كتابة اسم الملكة مع زوجها أحمس الأول فى محاجر الحجر الجيرى فى منف ومحاجر الألباستر فى أسيوط، وعندما قرر زوجها تشييد ضريح لجدته تتى شرى، ذكر أنه ناقش أولاً خططه مع "رفيقته" أحمس - نفرتاري، وتشير كلمة "رفيقته" إلى مساواة الملكة بالربة "ماعت"، رفيقة الإله رع وكل الملوك، مما يدل على تقدير زوجها لها.
وأوضح كتاب "ملكات الفراعنة.. دراما الحب والسلطة"، أن الملكة أحمس- نفرتارى أنجبت أربعة أولاد وخمس بنات، مات خمس منهم صغارًا، وبعد وفاة أحمس الأول، قامت بالوصاية على ابنها الصغير الملك أمنحتب الأول، وعند وفاة زوجته الملكة ميريت آمون (وليست ابنة رمسيس الثانى الشهيرة)، قامت الملكة الأم بدور الزوجة الكبرى له كى تدعم ابنها الذى مات دون وريث للعرش، ولعبت دورًا مهمًا فى اختيار خليفة ابنها، الملك تحتمس الأول، الذى ماتت فى عهده.
وأضاف الدكتور حسين عبد البصير، كانت الملكة أحمس- نفرتارى ملكة عظيمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، كزوجة وأم وإلهة ووصية على العرش وموجهة لاختيار حاكم مصر الجديد بعد رحيل ولدها دون وريث، فدخلت بجدارة واستحقاق ضمن سجل الخالدات من ملكات مصر العظيمات، تعد أفضال مصر القديمة على العالم كثيرة، ولا تعد ولا تحصى.
وأشار كتاب "ملكات الفراعنة.. دراما الحب والسلطة"، إلى أنه من المرجح أن الملكة أحمس كانت ربما ابنة للملك أمنحتب الأول، أو ابنة لوالده الملك أحمس الأول وزوجته الكبرى الملكة أحمس- نفرتارى، وفى هذه الحالة فإن الملكة أحمس تكون أختًا شقيقة للملك أمنحتب الأول، ويعد هذا الطرح مقبولاً لدينا نوعًا ما، نظرًا لأن الملك تحتمس الأول، الوافد إلى حكم مصر من أصل غير ملكى والذى لم يكن ينتمى لعائلة الملك أحمس الأول وابنه أمنحتب الأول، كان لا بد له من أن يجد صلة ما تربطه بالبيت المالك السابق حتى يستمد شرعيته وأحقيته فى حكم مصر من خلال الزواج من أميرة من البيت المالك، وأعنى زوجته الملكة أحمس التى كان فى اسمها ما يدل على ارتباطها بالبيت المالك الذى أسسه الملك أحمس الأو، غير أنه من الملاحظ أن الملكة أحمس حملت لقب "أخت الملك" وليس "ابنة الملك" الذى كان من المفترض أن تحمله لو كانت ذات دم ملكي.
وربما كانت أختا أو أختا غير شقيقة لزوجها الملك تحتمس الأول، ولم يكن الزواج بين الأخ والأخت شائعًا فى مصر القديمة إلا بين أفراد البيت المالك فى ذلك الوقت من أجل الحفاظ على تتابع خط الملوك المصريين من نفس الأسرة على عرش مصر، وربما حدث هذا الزواج بين الأخ تحتمس والأخت أحمس بعد أن أصبح تحتمس (الأول) وريث عرش الملك أمنحتب الأول.
ولفت كتاب "ملكات الفراعنة.. دراما الحب والسلطة"، إلى أن أهم ما نتج عن هذا الزواج المبارك هو إنجاب ابنتين هما نفروبيتى "أخبت نفرو" وحتشبسوت،التى طبقت شهرتها الآفاق فى جميع أنحاء العالم.
وتبقى الملكة أحمس فى خلفية الأحداث أثناء فترة حكم زوجها الملك تحتمس الأول، غير أنها تقفز إلى مقدمة الأحداث فى عهد ابنتها، الملكة الفرعونة، حتشبسوت التى نسجت قصة مثيرة ادعت فيها أن الإله آمون عاشر أمها الملكة أحمس معاشرة الأزواج وأنجب منها الطفلة حتشبسوت، وقامت الملكة حتشبسوت باختلاق تلك الدعاية السياسية أو ما يعرف لدينا بـ"قصة الولادة الإلهية" وتوثيقها على جدران معبد الدير البحرى الخاص بها كى تكتسب شرعيتها فى حكم البلاد بصفتها امرأة بها نوع من القداسة وتريد تدعيم حكمها فى أعين الشعب من خلال الادعاء بأنها من نسل الآلهة.
وبعد وفاة الملكة أحمس- نفرتارى تم تقديسها مع ابنها الملك أمنحتب الأول باعتبارهما إلهين حاميين لجبانة طيبة، خصوصًا فى منطقة دير المدينة التى كانت قرية الفنانين والعمال بناة مقابر الملوك فى وادى الملوك ومقابر الملكات فى وادى الملكات ومقابر النبلاء فى جبابات الأفراد العديدة فى البر الغربى لمدينة الأقصر، وتم بناء معبد لها فى طيبة.
وظلت المكلة مقدسة إلى نهاية الدولة الحديثة، وتم تصويرها ببشرة سمراء للتعبير عن الخصوبة والبعث، ووصفت بأنها "سيدة السماء"، و"سيدة الغرب"، حيث يرقد الأموات على أمل البعث مع شروق الشمس فى الشرق حيث يسكن الأحياء.
ودفنت فى منطقة دراع أبو النجا فى البر الغربى للأقصر، وعُثر على مومياء الملكة فى تابوت كبير مع مومياء الملك رمسيس الثالث فى خبيئة الدير البحرى، ومن خلال فحص موميائها، تبين لنا أنها ماتت فى حوالى السبعين من عمرها، وأن يدها اليمنى سرقها اللصوص القدماء للحصول على حليها.