"الحفيدة الأولى وجيلان فى مواجهة حادة".. قراءة فى رواية فاطمة الصعيدى

من الروايات التى تستحق القراءة رواية "الحفيدة الأولى" للكاتبة فاطمة الصعيدى، والصادرة عن دار "هن" ونستعرض هنا مقال بعنوان "الحفيدة الأولى وجيلان فى مواجهة حادة" للكاتبة أمانى الشرقاوى: وتقول أمانى الشرقاوى فى المقالة: تبدأ الكاتبة الروائية فاطمة الصعيدى روايتها الأولى، بجملة لافتة للكاتب الكولومبى جابرييل جارسيا ماركيز، تقول الجملة: (ليست الحياة ما عاشه المرء، بل ما يتذكره، وكيف يتذكره كى يرويه)، وهذا الاستهلال لا بد أن يكون له معنى عام وضمنى فى متن الرواية، ففى لغة سردية بسيطة وممتنعة كما يقال، قدمت الكاتبة نصّها الروائى الأول (الحفيدة الأولى)، وهو النص الثانى بعد مجموعة قصصية تحمل عنوانا دالا (تاء التأنيث الساكنة)، وثمة تشابه واضح بين النصين "القصصى والروائى"ـ وذلك من حيث أجواء البيئة الريفية العميقة، وإن تميزت الرواية "الحفيدة الأولى" بتفعيل وتوضيح الصراع النفسى لدى أبطال الرواية، فى مرحلة انتقالية مهمة فى حيواتهم، وهى المرحلة التى تعنى "نهاية الطفولة، وبداية مرحلة المراهقة". وتبدأ الرواية بشكل صريح، ودون أى التباس، بتحديد الموقع الجغرافى لقرية "أبو الغر" وحدودها، وأسباب إطلاق هذا الاسم الذى يعتز به الجميع، ويعيدون تفسيره ونتاجه حسب المتغيرات فى تاريخ المكان، وبدا لى ذلك المشهد - فى البداية - مشهدا سينمائياً بامتياز، وكأن كاميرا المخرج تأخذ صورة متحركة من بعيد، ثم تقترب شيئا فشيئاً من مفردات المكان، لكى نتعرف على أبطال الرواية واحدا بعد الآخر. جيلان متصارعان: فاطمة – الطفلة - هى الحفيدة الأولى لجدتها "فاطمة زايد"، بدأت عملية انفصال نفسية مركبة، كانت هذه العملية تحدث داخل هذه الفتاة بشكل تدريجى، ولكنه كان حادا: "أنا فى الوادى القاحل داخل نفسي، لولا الجسد الذى يعرب دوماً عن نفسه"، ومن ثم ندرك أن الرواية غارقة فى التفسيرات النفسية، وتضع مرحلة المراهقة فى مرمى هذا التحليل، مرحلة مهمة وهى بداية تشكيل المعالم الأولى والرئيسية للشخصية، ورؤية العالم من خلال منظورات ذاتية محضة، ففاطمة افتقدت جدها الحاضن والمؤثر، الذى انتهت خدمته الوظيفية كمدير للمدرسة، ومنذ تلك اللحظة شابها قدر من اللامبالاة والإهمال من الجميع بعد توقف القوة الأولى فى حياة الطفلة، وتقابلها جدتها لتنعى حظ ابنها العثر، والذى "أنجب أربع بنات والخامسة فى السكة"، "قال إيه كنت عايزة البيت يفضل مفتوح"، وتتواتر أشكال ومقولات الجدة الساخرة والممرورة من "خلفة البنات". نتعرف على الجدة فى أحد فصول الرواية تحت عنوان (فاطمة زايد)، والتى تبدو قوية ومتعالية على أقرانها بشكل بطريركى واضح، فهى ابنة شيخ، وزوجة مدير المدرسة، ووالدة الأستاذ، مزايا تاريخية واجتماعية تتمتع بها دون الآخرين من النساء. ولأن الحياة لا تمضى على وتيرة واحدة، تتعرض هذه الأسرة للانقسام والتشتت المفاجئ، إذ ينتقل الوالد للعمل فى مكان آخر، وهو "بسيون"، ومن ثم أخذ معه زوجته والبنات الثلاثة، تاركين الحفيدة الأولى فى رعاية جدتها القوية، وربما العكس، (البيت لازم يفضل مفتوح)، كلمة الجدة، والتى تفرض عليها أن تناديها ابنتها (أم بابا)، كما تفرض على الحفيدة نداء أمها بالاسم مجردا دون ألقاب، وكأن هذه الحفيدة ملكية خاصة وموروثة للجدة، تلك العلاقة المطردة و المتشابكة بين الطرفين، تحيلنا بشكل دائم إلى ما يطلق عليه باحثو علم النفس: "الآخر ووجهة النظر الواحدة"، والمتصلة بتسلط الجدة، وتصلب رأيها الأوحد دون رأى آخر، كما جاء على لسان الحفيدة عن جدتها "أم بابا": (السيطرة والتسلط عنوانان رئيسان لشخصية جدتي). ينشأ الصراع تدريجيا بين جيلين متفاوتين، أى جيل "الجدة" القديم وجيل "الحفيدة" الجديد والمعاصر، ثم فجأة تخرج الأسرة من الرواية الى مدينة بسيون، لكى تظل الحفيدة والجدة فى مواجهة حتمية مباشرة، إذن نجد أننا بين فاطمتين: (فاطمة الكبرى) و(فاطمة الصغرى)، ليبرز سؤال مباشر وضرورى، هل هذا انقسام على الذات بشكل أساسى بين ما يجب أن تكون عليه (فاطمة الكبرى) وواقع (فاطمة الصغرى)، أى أن الشخصية المثالية التى تحلم أن تكونها الصغرى، أن ترى صورتها مع المتفوقين والمتفوقات البارزات على غلاف كتاب "سلاح التلميذ"، تحلم فاطمة الصغرى بنموذج المتفوقة منذ السنوات الأولى فى الصغر، ومع هذا هى تتعرض دوما للنقد، وبالتالى تعيب على النموذج ( فاطمة الكبرى ) تسلطها وتعنتها، والعين الأحادية التى ترى بها العالم، وهذا هو التفاعل الإنسانى المتناقض داخل ذاتها مما ينجم عنه صراع داخلى حاد. مسئوليات مبكرة: طفلة مسئولة وحيدة فى كنف جدة لمدة عام، هكذا تجد فاطمة الصغرى نفسها فى هذا الوضع الخاص، لقد أنضجت هذه التجربة وعيها بدون إرادة منها، لتكتشف الحياة من خلال منظورها الخاص، وتضع أمام طاولتها أشياء كالوحدة والملل، وهذا يتضح من خلال سردها لبعض مفردات ذلك الوعى: ( عددت الدجاجات وعددت قطع الملابس المنشورة على أسطح الجيران، حاولت عد العصافير...) عددت، الخوف ( الليل لا يجثم على أنفاس قريتى فقط، انما يجثم على أنفاسى أنا أيضاً )، (تخايلنى الظلال المنعكسة على الحائط والسقف، أراها تارة تمساحاً، ثم أراها وجها مخيفا تبرز أنيابه المدببة تستعد لنهش لحمى ...)، أشياء تعانى منها تسردها لنا الكاتبة بحرفية وطزاجة بالغة العذوبة، وفى لغة بسيطة وملائمة لتفكير طفلة فى الثالثة عشر، لغة الجدة العامية المحملة بالأمثال الشعبية والسائدة دوما، بينما جاءت لغة الحفيدة فصحى بسيطة، وقد كان أول يوم دراسى حافل بالغضب، حيث تبعد عن قريتها ثلاثة كيلو مترات، ثم تعرضها للظلم وكسر ساعتها "الجوفيال" لتنتفض ثائرة غاضبة هاربة حزينة نحو راعيها الأول جدها، ولكنها ثائرة كذلك. فضاءات الذات: اعتنت الكاتبة بتصوير الواقع الذاتى (لفاطمة الصغرى) بتفاصيل تكاد تكون مفرطة، فهى تستخرج الطفلة الجريحة داخلها، وتتحدث معها بين الحين والآخر، وتحاول بتأن فهم أسباب ألمها المبرح، وتعد هذه التقنية، أولى خطوات التحرر النفسى من الألم فى تلك المرحلة، بداية من الاعتراف بالألم، ومصدر هذا الألم، ثم الاعتراف به، ثم حب مصدر الألم، والامتنان لهذا الألم، ليتحول الى مصدر فخر به، هذا هو السبيل الوحيد لتحويل النقاط السوداء التى ترسخت فى نفوسنا كعلامات مؤذية، إلى نقاط مضيئة، تدفعنا للتقدم والازدهار. سمات أسلوبية: ومن أبرز ملامح التقنية السردية لرواية الحفيدة الأولى، هو تقسيمها إلى سبعة فواصل، هذه الفواصل ساعدت على الإرسال من زاوية الكاتبة، والاستقبال من زاوية القارئ، لنرتد فيه إلى واقع القرية _الآن_، رغم أن السرد يعتنى بواقع القرية السابق، وهذا التقسيم يبرز الحنين الواضح إلى الماضى القديم.، ففاطمة المتحققة الآن، تزور القرية: ( تعودت أن أزور القرية ثلاث أو أربع مرات )، فاصل "1"، ذكرى واحدة ( أبو الغر )، فاصل "2"، (ربيع صيف )، (فاطمة زايد)، وتتوالى الفواصل وفحواها وفوائدها الأسلوبية، وعددها مع توالى الأعداد، لنجد لدينا النموذج الثالث وهى (فاطمة الآن)، فاطمة بعد تجربة طويلة، وفى الحقيقة لو اجتمعت هذه الفواصل السبعة على حدة، لأصبح لدينا قصة متكاملة الأحداث أخرى، وما تعنيه ( فاطمة الآن ) فى واقعها الحالي. لذا تهرب (فاطمة الآن)، وكأنها تستنجد (فاطمة العليا)، و(فاطمة الصغرى)، وهذه تقنية نفسية، مفادها استقرار الحاضر بعض الوقت، حيث نلقى نظرة على الماضى الذى نعيش فيه، ونستلهم الأحداث، حدثا بعد حدث، ونقارن ما كان ونحن فى انتظار ما سيكون، ونصل إلى مقولة ماركيز التى تقول أو تعنى: إن الانسان على حقيقته ليس مايكتبه عن نفسه، هناك تفاوت عظيم بين ما يستقر فى أعمق أبعاد الانسان من خلجات ونبضات وبين القدرة على التعبير.








الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;