تستعد وزارة السياحة والآثار المصرية لنقل مومياوات المتحف المصرى بالتحرير إلى المتحف القومى للحضارة، ويصل عددهم إلى 22 مومياء ملكية، واليوم نلقى الضوء على الملك المصرى الشهير رمسيس الثالث، الذى كان أشهر ملوك الأسرة العشرين فى الحضارة المصرية القديمة.
ويقول كتاب "الفراعنة المحاربون.. دبلوماسيون وعسكريون" للدكتور حسين عبد البصير، كانت السنوات الأربع الأولى من حكم رمسيس الثالث هادئة، وأخذ فى تدعيم دولته واستمر فى سياسة والده الملك ست نخت لجلب الاستقرار لمصر، ولم تكن هناك مشكلات تذكر فى بلاد النوبة، فقد كانت مستعمرة خاضعة للحكم المصرى، غير أن الليبيين، مع قبيلتين أخريين المشوش والسبد، تركوا الصحراء وحاولوا غزو الأرض الخصبة فى غرب الدلتا المصرية، وقام الجيش المصرى بقمعهم على الفور، ومن لم يتم قتله منهم، تم أسره، ومنذ ذلك الحين، وعت البلاد المجاورة لمصر الدرس، وعرفت جيدًا ألا تستفز الفرعون وألا تثير غضبه، وإلا سوف تلقى ما لا يُحمد عقباه.
وأوضح كتاب "الفراعنة المحاربون"، أنه فى العام الثامن من حكم الفرعون رمسيس الثالث، جاءت إلى مصر قبائل كبيرة العدد فى طريقها إلى الاستقرار، وكانت قد دمرت الحيثيين قبل المجىء إلى مصر، وكانت هذه القبائل أو الشعوب ذات أسماء عدة غير أن الاسم الأشهر الذى تم إطلاقه عليها هو "شعوب البحر"، وقام الملك رمسيس الثالث بتسجيل وتصوير حروبه وانتصاراته على شعوب البحر على جدران معبده الجنائزى العظيم بمدينة هابو بالبر الغربى لمدينة الأقصر.
كما سجل الملك نص حروبه ضدهم على الجدار الخارجى للصرح الثانى من الناحية الشمالية، ويعد هذا النص أطول نص هيروغليفى على المعابد معروف لدينا إلى الآن، وتم تصوير المعركة ضدهم على الجدار الشمالى الخارجى للمعبد.
وتابع "الفراعنة المحاربون"، وفى طريق شعوب البحر إلى مصر، توقفت فى سوريا، وتقدموا نحو مصر عبر البر، ولم تكن حربًا عادية بمفهومها التقليدى المعروف لدينا، وإنما كانت هجرة ونزوحًا جماعيًا، وكان الهدف منها الاستقرار والإقامة فى مصر، فقد كانت شعوبًا تتحرك بكل أفرادها من النساء والأطفال وكل ممتلكاتهم الأسرية المحمولة على عربات تجرها ثيران إلى مصر، وفى البحر، كان أسطول شعوب البحر معسكرًا فى البحر كى يتوجه لاحتلال مصر والاستقرار فيها.
وتقين الملك رمسيس الثالث بسرعة التحرك ووضع حد لإيقاف هذه الموجات البشرية الهائلة العدد، فتم إرسال قوات عسكرية على نقاط الحدود الشرقية حتى يتم إحضار الجيش المصرى بشكل كامل، وحدثت الحرب على الحدود، وتم قتل الغزاة كما تصور مناظر المعركة على معبد مدينة هابو، وتم تصوير الفرعون رمسيس الثالث محاربًا على عربته الحربية فى كل مكان فى المعركة، وتم تصويره بحجم أكبر من كل المشاركين فى المعركة وفقًا لقواعد الفن المصرى القديم.
وأضاف كتاب "الفراعنة المحاربون"، أنه على الرغم من أنه تم القضاء على حملة شعوب البحر البرية، فقد كان ما يزال هناك تهديد قادم من البحر هذه المرة، فدخل أسطول شعوب البحر إلى شرق الدلتا المصرية من خلال أحد أفرعها، غير أن الأسطول المصرى كان واقفًا له بالمرصاد، وعلى الرغم من أن المصريين القدماء لم يفتخروا بكونهم بحارة عظماء، فقد حاربوا ببسالة يحسدون عليهم ومارسوا كل فنون القتال التى عرفوها على البر فى مواجهة عدوهم فى الماء، وقام المصريون القدماء بحرق سفن أعدائهم تحت إشراف الفرعون العظيم رمسيس الثالث، وانتصر المصريون القدماء على هذه الشعوب المهاجمة انتصارًا عظيمًا تحت راية الإله آمون سيد آلهة مصر ورب طيبة، الأقصر، المقدس، والذى تم إرسال كل الغنائم إلى معبده.
وعاشت مصر هادئة لمدة ثلاث سنوات، ثم جاءت الاضطرابات هذه المرة من الحدود الغربية، من الليبيين ثانية، الذين تحالفوا مع قبيلة المشوش وخمس قبائل أخرى، وتسللوا كمهاجرين فى منطقة غرب الدلتا المصرية لبعض السنوات، غير أنهم فى العام الحادى عشر من حكم الملك رمسيس الثالث صار الأمر كغزوة، فقام الملك بقهرهم وقتل حوالى ألفين فرد منهم، وأخذ ماشيتهم وممتلكاتهم كغنائم لخزائن معبد الإله آمون.
ويقول الدكتور حسين عبد البصير، من المعروف أنه كانت للملك رمسيس الثالث زوجة ثانوية باسم "تى"، وقامت بمؤامرة ضد حياة الفرعون، وكانت هذه من المرات القليلة التى تحدثنا النصوص الفرعونية عن شىء كهذا، ونعلم عن المؤامرة من المحاكمات التى تمت للمتهمين من بردية تورين القضائية، وتعرف المؤامرة بـ"مؤامرة الحريم"، وشارك فى المؤامرة عدد من حريم القصر الملكى وبعض سقاة البلاط وحرسه وخدمه، ولم يعرف هدف هؤلاء المتآمرين، ولعل السبب الأساس للمؤامرة أن هذه الملكة "تى" بالتعاون مع بعض نساء القصر خططت لاغتيال الملك كى تضع ولدها "بنتاورت" على العرش بدلاً من ولى العهد الشرعي، الملك رمسيس الرابع بعد ذلك.
وتم اغتيال رمسيس الثالث بالفعل، وانكشفت المؤامرة، وحقق فيها بأمر من الفرعون التالى الملك رمسيس الرابع، وحكمت المحكمة على المتهمين بأحكام تتراوح بين الإعدام والانتحار والجلد والسجن وقطع الأنف وصلم الأذن والبراءة، وتم اكتشاف مومياء الملك رمسيس الثالث فى عام 1886، مقبرته (KV11) هى أحد أكبر المقابر فى وادى الملوك.