نواصل إلقاء الضوء على كتب المثقف الكبير أحمد أمين (1886- 1954)، الذى يعد أبرز المثقفين المصريين فى القرن العشرين، ونتوقف اليوم مع كتابه "إلى ولدى".
ويقول أحمد أمين فى مقدمة كتابه:
طلبت من مجلة "الهلال" فى آخر سنة 1949 أن أكتب لها سلسلة مقالات بعنوان "رسالة إلى ولدى" تُنشر خلال عام 1950، فأتممتها اثنتى عشرة مقالة فى كل شهر مقالة، وجّهت فيها نصائحى ونتائج تجاربى إلى ولدى، وصادف أن كان لى ابن يُتِم تعليمه فى إنجلترا فاستحضرته فى ذهنى عند كتابتها.
وهذه العادة، عادة كتابة الآباء إلى الأبناء، عادة قديمة قصها علينا القرآن الكريم فى نصيحة لقمان لابنه، ونصيحة الفارسية المعروفة بجويدان خرد، وكثيرًا ما نصح الملوك أولياء عهدهم بنصائح ترشدهم فى مستقبل حياتهم، وكثيرًا أيضًا ما نصح الملوك عمَّالهم فى كيف يسيرون وأى منهج ينهجون: نصح عمر بن الخطاب أبا موسى الأشعرى نصيحته المشهورة فى كيف يسير فى القضاء.
وقالوا: إن على بن أبى طالب نصح الأشتر النخعى بنصيحته المشهورة عندما ولَّاه مصر، واستمرت هذه النصائح فى التاريخ الأدبى إلى يومنا هذا، وكان منها نصيحة المرحوم محمد حافظ عوض بك لابنه.
فآثرت أن أجرى مجراهم مراعيًا اختلاف البيئة واختلاف العصر، فلكل عصر نصائحه، ولكل عصر أسلوبه، فلما تمت، أشار عَلى بعض الإخوان أن أفردها فى كتاب، فاستصغرها الطابع وطلب أن أضم إليها مثلها أو نصفها، فاستقبلت هذا الطلب قبولًا حسنًا، إذ كانت هناك معان عندى لم تكتب فى الرسائل الاثنتى عشرة فكتبتها، وها هى اليوم تخرج فى كتاب.
والمأمول أن ينتفع بها الجيل الحاضر كما انتفع بها ابني، رغم أنه عارض فيها بدعوى أن النصائح ليست كبيرة الفائدة، وإنما أكبر فائدة للبيئة والوراثة، وقد خالفته فى ذلك؛ لأنه إذا كانت للبيئة كل الأثر فالنصائح الأبوية بعض البيئة، ولعلى بذلك أكون قد قمت بواجب على نحو أبنائى من صُلبى وأبنائى من شبان الجيل الحديث. فعلى كل من جرَّب أن يقدم تجربته للناشئين من بعده، وعلى الناشئين أن يسمعوا آبائهم ويأخذوا منهم خير ما عندهم.