نحفظ منذ كنا صغارا الشعر الذى قاله "قطرى بن الفجاءة" فى مواجهة الموت، والذى يدل على شجاعته المفرطة، ورؤيته فى قيمة الإنسان وقيمه، كا نحفظ هذا الشعر الجميل المهم على الرغم من اختلافنا مع أفكاره المذهبية.
أقول لها وقد طارت شعاعا
من الأبطال ويحك لن تراعى
فإنك لو سألت بقاء يوم
على الأجل الذى لك لن تطاعى
و"قطرى" اسمه جعونة ابن مازن بن يزيد الكنانى المازنى التميمى من رؤساء الأزارقة (الخوارج) وأبطالهم، كان خطيباً فارساً شاعراً، زاد شأنه فى زمن مصعب بن الزبير لمّا ولى العراق نيابة عن أخيه عبد الله بن الزبير.
فصبرا فى مجال الموت صبرا
فما نيل الخلود بمستطاع
ولا ثوب البقاء بثوب عز
فيطوى عن أخى الخنع اليراع
وقوى أمر الأزارقة بعد موت يزيد بن معاوية، إذ انقسم الخوارج فرقاً متعددة، وكان الأزارقة من أشد هذه الفرق استبسالاً فى قتال أعدائهم وتطرفاً فى مذاهبهم.
سبيل الموت غاية كل حى
فداعيه لأهل الأرض داع
ومن لم يغتبط يسأم ويهرم
وتسلمه المنون إلى انقطاع
وبقى قطرى ثلاث عشرة سنة، يقاتل ويسلَّم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين والحجاج يسير إليه جيشاً إثر جيش، وهو يردهم ويظهر عليهم، ولم يزل الحال بينهم كذلك حتى توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبى فظفر به وقتله فى سنة 78 هـ، وكان المباشر لقتله سورة بن أبجر البارقي، وقيل أن قتله كان بطبرستان فى سنة 79 هـ، وقيل عثر به فرسه فاندقت فخذه فمات، فأخذ رأسه فجيء به إلى الحجاج.
وما للمرء خير فى حياة
إذا ما عد من سقط المتاع