نلقى الضوء على كتاب "التطور.. نظرية علمية أم أيديولوجيا" لـ الدكتور عرفان يلماز، والذى صدرت ترجمته عن دار النيل، وهو واحد من الكتب التي لا تزال تناقش قضية التطور التي أصبحت ذات شهرة شعبية منذ صاغ دارون نظريته في النشوء والارتقاء.
ويقول الكتاب فى مقدمته:
إن أسئلة مثل "من أين أتينا؟ كيف أتينا إلى هذا العالم وما مصيرنا" هى ببساطة أكثر الأسئلة التى شغلت أولئك الذين يعملون عقولهم، وربما تكون فرضية "التطور" هى أشهر الفرضيات المقدمة لنا إجابة عن السؤال الأول.
هذه الأسئلة هى السمة المميزة للمفكر ولا شىء يثيرها سوى الفضول الإنسانى، فالدافع وراء كل الاختراعات والاكتشافات هو الانقطاع للبحث والاستقصاء اللذين ينبعان من هذا الفضول، نحن نلاحظ العالم والكون الذى نعيش فيه ونجمع المعلومات عن الأشياء نتيجة هذا الفضول، ثم نحلل هذه البيانات مستخدمين العقل والمنطق، قد تكون بعض هذه المعلومات غير مهمّة عندنا لأنها لا تؤثر على حياتنا سواء بالسلب أو الإيجاب، لكنها لا تزال معلومات ضرورية للمتخصصين فى هذا المجال البحثى والذين يكرسون أنفسهم له فمثلًا إن مهندس التغذية لا تمثل عنده طريقة انبعاث موجات المذياع أو كيفية عمل القمر الصناعى أية أهمية فى مهنته، ولا يتساءل مهندس الإلكترونيات عادة عن السموم التى تفرزها بكتريا معينة وكيف تفرزها لكنه إذا تعرض للتسمم الغذائى فإنه سيذهب للطبيب، وقد يعرف البكتريا التى سببت له التسمم.
والأسئلة التى تثير اهتمام كل البشر وهى أسئلة تبحث عن سرّ وجودنا فى هذا العالم، وكيف أصبحنا كائنات حية، وما الذى سيحدث لنا فى المستقبل؟ ستبقى دائمًا مهمّة عندنا ونتمنى عند حصولنا على إجابات مقبولة لهذه الأسئلة فى أوقات مختلفة وتحت ظروف متفاوتة أن نشعر بالرضا الكامل فى عقولنا وقلوبنا بعد أن تتقبلها ضمائرنا إن المنطق والعقل مجتمعين مع الروح يطالبونا بأن نطرح هذه الأسئلة ونلتمس لها إجابات راشدة لنصل إلى الأمن النفسي.
ربما لا يشعر غير المتعلمين بالفضول لمعرفة إجابات هذه الأسئلة، وربما يشعرون بالرضا مما يتعلمونه من الآباء والأجداد، يجد هؤلاء الطمأنينة والسكينة فى الحياة العادية على قدر معتقداتهم الشخصية، ولا يكون لديهم أى شك تجاه دينهم، ويجدون الراحة فى اليقين بأن الله يخلق كل شيء كما يشاء ويُنهى حياة كل شيء كما يشاء؛ إِنَّ احتمال العثور على شخص من هذا النوع فى وقتنا الحاضر ضئيل جدًا نظرًا لأن وسائل الاتصال الحديثة قد غيرت وجه العالم وحولته إلى مجتمع ضخم وجلبت التطورات التعليمية أنواع المناقشات العلمية كلها إلى القرى الصغيرة البعيدة جدًا عن المراكز الحضارية، والآن تصل أنواع المعلومات كلها – سواءً كانت صحيحة أم خاطئة- إلى الناس بمساعدة مختلف الأجهزة الإعلامية، ومع أن هذا الحصار الإعلامى يقدم الإجابة على بعض الأسئلة، فإن الناس قد أصبحوا حائرين من المعلومات غير الصحيحة والتعليقات المُسيئة لأهم قيمهم ومعتقداتهم، لذلك انقلبت طريقتهم الجوهرية فى التفكير رأسًا على عقب.