فى ميدان التحرير ردد المتظاهرون "مسيحيون ومسلمون إيد واحدة"، وقد حملوا شعارات الهلال مع الصليب باعتبارها إحدى رايات الثورة ومن المشاهد البديعة كان قيام المسيحيون بحماية المسلمين أثناء تأديتهم شعائر الصلاة وما جرى فى مراسم القداس المسيحى فى ميدان التحرير على أرواح شهداء الثورة بتاريخ 6 أبريل 2011، حيث قام المسلمون بتشكيل دروع بشرية لحماية المسيحين وإنشادهم سويا هتافات "آمين" وكذلك قيام رجال دين من المسيحيين وشيوخ أزهر بالتواجد وسط الاحتجاجات، هذه التحركات الإيجابية جذبت نظر العالم، لقد قام المسيحيون والمسلمون فى الأحياء بحماية منازلهم والمنشآت العامة "المتحف المصرى" ودور العبادة المختلفة وتم تأسيس لجان شعبية تقوم بتنظيف الشوارع ومد الثوار بميدان التحرير بما يحتاجونه، هكذا سرد كتاب "المسيحيون بين الوطن والمقدس الدور والمصير"، للدكتور إكرام لمعى، الصادر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب.
ويقول الكاتب إن المصريين قاموا خلال الثورة بخلق مجتمع بديل لمدة ثلاثة أسابيع، مجتمع قائم على التعدية والتضامن المشترك بين مختلف الأطياف، حيث لعب الدين دورا فى تعزيز أواصر التعاون بين مختلف الفئات الاجتماعية على عكس ما كان عليه الحال أيام حكم مبارك لقد نجح متظاهرو ميدان التحرير فى الاستناد إلى مرجعيات التعايش الإسلامى المسيحى والمتشكلة فى مصر خلال آلاف السنين من العيش المشترك هذا فضلا عن مجابهتم لنموذج الهوية الدينية إسلامية كانت أم مسيحية، والتى نالت رواجا لدى بعض الأطراف بالتواطؤ مع أجهرة مع اجهزة الإعلام العالمية التى لم تتوان عن احتضان مثل هذه النزعات.
ويؤكد الكاتب ان التحام المسلمين والمسيحيين كانت نتيجتها الثمرة الأولى وهى تجربة ميدان التحرير أو رحلة العلاج على حد وصفه، مضيفا أن تلك الثمرة تنطلق من القاعدة الجماهيرية فقد تمكنت من تجريد الجماهير العربية من معضلة حسم القرار بين نارى الحكم السلطوى والتوجهات الإسلامية وذلك بطرحها خيارا ثالثا ببناء مجتمع من نوع جديد، مجتمع يستند إلى تعاون مختلف الأطياف الاجتماعية فى القضايا الملحة وبعيدا عن الأيديولوجيات الرنانة ولقد تحول الحوار الإسلامى المسيحى من حوارات مؤسسية داخل الغرف المغلقة إلى "حوار حياتى يومى".
وأضاف الكتاب أن ما حدث فى ميدان التحرير بين المسلمين والمسيحيين المصريين يدعو كل من الكنائس المسيحية والمؤسسات الإسلامية إلى إجراء إصلاحات داخلية ومراجعة أدوراها فى المجتمع بشكل متأن، على أن يكون دور الدولة ككيان محايد يستوعب المؤمنين المواطنة المستقلة عن الدين، وفى هذا السياق علينا أن نتذكر أهمية مبادرات المؤمنين من القاعدة الجماهيرية غير المنتمين إلى هياكل مؤسساتية وتوجد حاليا مبادرات "شراكة ديمقراطية" من قبل بعض المؤمنين بهذه القضية.
ويؤكد كتاب "المسيحيون بين الوطن والمقدس الدور والمصير" أن من البديهيات الوطنية لأى شعب من الشعوب هى أن تنطلق هويته من كونة ينتمى إلى وطن "أرض"، ثم إلى ثقافة "علم، أدب، فن"، وثالثا إلى دين وأخيرا إلى حضارة، واختلاف الترتيب يصنع مشكلة، فنحن مصريون ننتمى أولا إلى أرض مصر وبالثقافة نحن عرب لغة وفكرا وعلما وفنا وأدبا، ثم ننتمى إلى دين "مسيحى مسلم يهودى"، وأخيرا تظللنا جميعا الحضارة الإسلامية.
ولفت الكاتب أن المسيحيين والمسلمين يشتركون فى التسامح والحب وعدم العنف والأرضية المشتركة والعيش والتاريخ المشترك، وإن المصرى الذى كان يضع طلباته واحتياجاته فى تابوت الموتى الفرعونى ليصل إلى الجانب الآخر، إلى ماعت إلهة العدالة هو نفسه الذى يذهب كمسيحى ومسلم معا إلى مولد العذراء أو السيد البدوى أو أبى الحجاج الأقصرى، إنه الشعب الواحد المتدين المنحدر معا من آلاف السنين وهذه الممارسات لا تجدها فى أى شعب مسيحى أو مسلم آخر فى أى مكان فى العالم.