مات هارون الرشيد فى سنة 193 هجرية، بعد تاريخ حافل قضاه فى الحكم، استطاع من خلاله أن يصبح أشهر حكام الدولة العباسية، عبر تاريخها، خاصة أن اسمه عرف الطريق إلى التراث الشعبى.
يقول ابن الأثير فى كتابه "الكامل فى التاريخ" عن الأحداث التى وقعت فى سنة 193 هحرية، فى هذه السنة مات الرشيد أول جمادى الآخرة لثلاث خلون منه، وكانت قد اشتدت علته بالطريق بجرجان فسار إلى طوس فمات بها.
قال جبرائيل بن بختيشوع كنت مع الرشيد بالرقة وكنت أول من يدخل عليه فى كل غداة أتعرف حاله فى ليلته ثم يحدثنى وينبسط إلى ويسألنى عن أخبار العامة فدخلت عليه يوما فسلمت عليه فلم يكد يرفع طرفه ورأيته عابسا مفكرا مهموما فوقفت مليا من النهار وهو على تلك الحال فلما طال ذلك أقدمت فسألته عن حاله وما سببه فقال: إن فكرى وهمى لرؤيا رأيتها فى ليلتى هذه قد أفزعتنى وملأت صدرى فقلت فرجت عنى يا أمير المؤمنين ثم قبلت يده ورجله وقلت الرؤيا إنما تكون لخاطر أو بخارات رديئة وتهاويل السوداء وهى أضغاث أحلام.
قال: فإنى أقصها عليك رأيت كأنى جالس على سريرى هذا إذ بدت من تحتى ذراع أعرفها وكف أعرفها لا أفهم اسم صاحبها وفى الكف تربة حمراء فقال لى قائل أسمعه ولا أرى شخصه هذه التربة التى تدفن فيها فقلت وأين هذه التربة قال طوس وغابت اليد وانقطع الكلام.
فقلت أحسبك لما أخذت مضجعك فكرت فى خراسان وما ورد عليك منها وانتقاض بعضها فذلك الفكر أوجب هذه الرؤيا.
فقال كان ذلك
فأمرته باللهو والانبساط ففعل ونسينا الرؤيا، وطالت الأيام ثم سار إلى خراسان لحرب رافع فما صار ببعض الطريق ابتدأت به العلة فلم تزل تزيد حتى دخلنا طوس فبينا هو يمرض فى بستان فى ذلك القصر الذى هو فيه إذ ذكر تلك الرؤيا فوثب متحاملا يقوم ويسقط فاجتمعنا [إليه] نسأله.
فقال أتذكر رؤياى بالرقة فى طوس ثم رفع رأسه إلى مسرور فقال جئنى من تربة هذا البستان فأتاه بها فى كفه حاسرا عن ذراعيه فلما نظر إليه قال هذه والله الذراع التى رأيتها فى منامى وهذه الكف بعينها وهذه التربة الحمراء ما خرمت شيئا وأقبل على البكاء والنحيب ثم مات بعد ثلاثة.