البحث عن الأطفال التائهين، كانت واحدة من الظواهر التى سجلتها كتب التراث، ولكن ما علاقة ذلك بكلمة "العدوى" ومن هو الشيخ "محمد العدوى".. هذا مانعرفه مع كتاب "تراث مصرى" لـ أيمن عثمان.
يقول الكتاب:
عيلة تايهة تايهة/ يا ولاد الحلال/ ببلوزة نايلون/ على جيبة ترجال/ والأجر والثواب عند الله/ يااااا عدوى.
المنادى قديمًا كان ينتمى لطائفة "المنادون"، وهم ينتسبون إلى سيد المنادين الأكبر الشيخ محمد العدوى صاحب الضريح الكائن فى الإسكندرية بشارع إسماعيل باشا صبرى، وهو ينتمى للقبيلة التى ينتسب إليها الخليفة عمر بن الخطاب وخطيب الثورة العرابية حسن العدوى، وهى بطن من بطون قريش.
مما قيل عنه إنه كان يسكن فى حى بولاق، وعاصر عهد محمد على باشا، وكان محبًا للأطفال، يجتمعون حوله ليداعبهم بالفوازير اللطيفة، ويسليهم بألعابه وحيله الكثيرة، وقد اعتادت الأمهات على رؤية أطفالهن بصحبة هذا الشيخ العجوز فى مسجد الحى، وإذا تاه طفل خرج الشيخ بنفسه للبحث عنه، ولا يعود إلا ومعه الطفل التائه، فتفرح النساء، ويطلقن الزغاريد فرحًا بعودة مقصوف الرقبة، وهى مناسبة جديرة أن يبل الشربات من أجلها، وعندما مات سيد المنادين بكى على فراقه نساء الحى ورجاله، وخلعوا عليه كما خلعوا من قبل على من أحبوهم من المشايخ صفات أولياء الله الصالحين.
مع مرور الأيام والسنين، شب أطفال بولاق الذين عاصروا الشيخ العدوى، وتربوا على يديه، وكرسوا وقتهم للبحث عن الأطفال التائهين إسوة بما كان يفعله شيخهم، وتحاكوا وتباهوا بتاريخه وحكايتهم معه، وتفرقوا فى أنحاء القاهرة مؤسسين لطائفة جديدة يطلق عليه "المنادون" تضم أتباع سيدى العدوى، ومن المنادين عدد كبير من المكفوفين، وكان مشهد جولة المنادى الكفيف المتكئ على عصاه وفى يده والد الطفل التائه من المشاهد التقليدية تكتمل بصراخ المنادى "نظرة يا عدوي".
اعترف الناس فى الأحياء الشعبية بهذه المهنة وأصحابها نظرا لحاجتهم الشديدة إليهم، فإذا غاب طفلهم ذهبوا إلى المقر المعروف فى الحى للمنادى من أتباع الشيخ العدوى، والمشهود له بالجدية فى عمله، وهناك يتفقون على مقدم الأتعاب، وحلاوة العثور على الطفل التى فى بعض الأحيان كانت تصل لـ جنيه إذا كان الطفل ابن عز أو وحيد أمه، فيطوف المنادى فى الحوارى والأزقة مناديًا فى الناس بأوصاف الطفل التائه مستنجدًا بشيخه، وهاتفًا "ولد تائه من امبارح العصر.. وحلاوته أحسن منه يا ولاد الحلال"، وكان الدارج أن ينجح المنادى فى العثور على الطفل من أول جولة بحث، وتتسلم الأم طفلها بعد الغياب، فتضرب على صدرها بيديها من الفرح وهى تصرخ "كلك خير وبركة يا شيخ يا عدوي"، ولا تنسى أن تذهب فى اليوم التالى لتوفى النذور، وقد تطول جولة المنادى إلى ثلاثة أو أربعة أيام وخاصة إذا كان مقصوف الرقبة من هواة السفر سيرًا على الأقدام.