أبو العلاء المعرى، هو أحمد بن عبد الله بن سليمان، ولد فى معرة النعمان فى العام 973 ميلادية، وفقد بصره فى سن مبكرة بعد إصابته بالجدرى، لكن ذلك لم يحل دون طلبه العلم، وعرف هذا الشاعر الذى يعد الأبرز بين أقرانه العرب، بالزهد والتقشف وكونه نباتيا، وأطلق عليه لقب "رهين المحبسين"، نظرا إلى فقدانه البصر وابتعاده عن الناس أعواما طويلة.
غَيْرُ مُجْدٍ فى مِلّتى واعْتِقادى نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِ
وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعى إذا قِيسَ بِصَوْتِ البَشيرِ فى كلّ نادِ
أَبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ أمْ غَنْت عَلى فَرْعِ غُصْنِها المَيّادِ
صَاحِ هَذِى قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْبَ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ
خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ الأرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ
كان أبو العلاء دائم التأمل والتفكر، فى كل ما يحيط به، فى الدنيا وأحوالها وما يلاقى الناس فيها من متاعب وهموم، وكانت جملته "تعب كلها الحياة" قد صارت مثلا يقال دائما، حفظها الناس وصاروا يرددونها دائما.
وقَبيحٌ بنَا وإنْ قَدُمَ العَهْدُ هَوَانُ الآبَاءِ والأجْدادِ
سِرْ إنِ اسْطَعتَ فى الهَوَاءِ رُوَيداً لا اخْتِيالاً عَلى رُفَاتِ العِبادِ
رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْداً مراراً ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الأضْدادِ
وَدَفِينٍ عَلى بَقايا دَفِينٍ فى طَويلِ الأزْمانِ وَالآباءِ
فاسْألِ الفَرْقَدَينِ عَمّنْ أحَسّا مِنْ قَبيلٍ وآنسا من بلادِ
كَمْ أقامَا على زَوالِ نَهارٍ وَأنارا لِمُدْلِجٍ فى سَوَادِ
تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْجَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ فى ازْديادِ
إنّ حُزْناً فى ساعةِ المَوْتِ أضْعَافُ سُرُورٍ فى ساعَةِ الميلادِ
خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ فضَلّتْ أُمّةٌ يَحْسَبُونَهُمْ للنّفادِ
إنّما يُنْقَلُونَ مِنْ دارِ أعْمالٍ إلى دارِ شِقْوَةٍ أو رَشَادِ
ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يُستريحُ الجِسْمُ فيها والعَيشُ مِثلُ السّهادِ