التاريخ الإسلامى ملئ بالشخصيات المحيرة وصاحبة الجدل الكبير، البعض ينظر إليه بتبجيل والبعض الآخر ينتقدها، ويوجه إليها اتهامات تاريخية، وكل فريق يجمع حججه وأسبابه لتبنى هذا الرأى، ولعل تاريخ الأمويين الذى بدأ مع تولى الخليفة معاوية بن أبى سفيان زمام الحكم وتولى الخلافة الأموية، بعد استشهاد الإمام على كرم الله وجهه، يوجد فيه العديد من الشخصيات المثيرة للجدل.
ومن تلك الشخصيات المحيرة والمثيرة للجدل كان الخليفة مروان بن الحكم، والذى تمر اليوم ذكرى ميلاده الـ1398، إذ ولد فى 28 مارس عام 623م، ويعد مؤسس الدولة الأموية الثانية، رغم قصر فترة حكمه، لكن يمتاز مروان بن الحكم بأنه مؤسس السلالة التى حكمت العالم الإسلامى بين عام 685 و750م، ومن ثم حكمت الأندلس بين عامى 756 و1031م.
لكن سيرة هذا الحاكم الأموى لا يتفق حولها الجميع، فالبعض يبجله ويرأه واحد من رواى الأحاديث النبوية الشريفة، حيث روى عن عدد من الصحابة منهم على بن أبى طالب، وروى عنه (أيام معاوية) سهل بن سعد وهو أكبر منه سنا وقدرا لأنه من الصحابة، وروى عنه عدد من أفاضل التابعين مثل على بن الحسين (زين العابدين) وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب، وأخرج حديثه البخارى وأبو داود والترمذى (وصححه) والنسائى وابن ماجه، وهو ثقة بإجماعهم، وكان يُعَد من الفقهاء.
وقال ابن حجر: وقد اعتمد حتى مالك على حديثه ورأيه، وقال المؤرخ ابن خلدون فى مقدمته "وكذلك كان مروان ابن الحكم وابنه -وإن كانوا ملوكا- لم يكن مذهبهم فى الملك مذهب أهل البطالة والبغي. إنما كانوا متحرين لمقاصد الحق جهدهم، إلا فى ضرورة تحملهم على بعضها، مثل خشية افتراق الكلمة الذى هو أهم لديهم من كل مقصد. يشهد لذلك ما كانوا عليه من الاتباع والاقتداء، وما علم السلف من أحوالهم ومقاصدهم. فقد احتج مالك فى الموطأ بعمل عبد الملك. وأما مروان فكان من الطبقة الأولى من التابعين، وعدالتهم معروفة".
لكن على الجانب الأخر هناك وقائع تاريخية جعلت البعض ينتقد "مروان" ويجعله شخصية مثيرة للجدل، فوفقا لما ذكره كتاب "دم الخلفاء: النهايات الدامية لخلفاء المسلمين" للباحث الدكتور وليد فكرى، فى فصل "مروان بن الحكم: نهاية عبثية لرجل مغامر"، إنه بوفاة ثالث الخلفاء الأمويين معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، ظهرت خلفات وعدائيات بين القبائل القيسية وعرب اليمن، حاول خلالها الضحاك بن قيس الانحراف عن مساندة بنى أمية لصالح عبد الله بن الزبير الخليفة الموازى، فى المدينة.
وأبدى مروان بن الحكم كبير بنى أمية حينها، رغبة صريحة فى مبايعة عبد الله بن الزبير هو الآخر بعد أن رأى البيت الأموى يتمزق بين منادين بمبايعة خالد بن يزيد بن معاوية، وآخرين، يهتفون بمبايعة عمرو بن سعيد بن العاص، لكن هذا القرار لم يكن سوى مناورة من الرجل الذى أثبتت مواقفه فى الأزمات والأحداث الجليلة أنه وصولى انتهازى مغامر يتشبث بكل فرصة للاقتراب من الصدارة.
وبعدها اجتمع الأمويون فى مؤتمر بتل الجابية فى الشام وتناقشوا حول أمر الخليفة الجديد وخرجوا بقرار يرضى جميع الأطراف أن يكون الخليفة مروان ومن بعده خالد بن يزيد ومن بعده عمرو بن سعيد بن العاص.