نلقى الضوء على كتاب "قصة الأصل" من تأليف ديفيد كريستيان، ترجمة محمد فتحى خضر، والكتاب رحلة جامحة عبر الـ 13.8 مليار سنة التى صرنا نعرفها باسم "التاريخ".
ويكشف الكتاب الخيوط الخفية التى تربط كل شىء معًا، من تَشَكُّل الكواكب إلى اختراع الزراعة، والحرب النووية، وما بعدها، فيقدم رؤى مدهشة حول أصل الكون وبدايات الحياة وظهور البشر وما قد يأتى به المستقبل، إنه قصة آسرة للكون؛ من الانفجار العظيم إلى الديناصورات، إلى العولمة الشاملة وما بعدها.
يقول الكتاب:
إن البحث عن قصص الأصل التى تربط بين أنواع مختلفة من المعارف قديم قدم البشرية ذاتها، أحب أن أتصوّر مجموعة من الأشخاص جالسين حول نار منذ أربعين ألف عام بينما الشمس توشك على المغيب، وأتصور وجودهم على الشاطئ الجنوبى لبحيرة مونجو، فى منطقة بحيرات ويلاندرا فى نيوساوث ويلز، حيث اكتُشفَت أقدم البقايا البشرية فى أستراليا، واليوم، هذه المنطقة هى موطن شعوب الباكانتجى والنجيامبا والموتى موتى، غير أننا نعرف أن أسلافهم عاشوا فى هذه المنطقة لما لا يقل عن خمسة وأربعين ألف عام.
فى العام 1992 أُعيدت بقايا أحد الأسلاف (يشار إليه باسم مونجو 1) المكتشَف على يد علماء الآثار فى العام 1968، أُعيدت إلى مجتمعه الأصلى أخيرًا، كان هذا الشخص امرأة شابة تعرَّض جثمانها للحرق الجزئي. وعلى مسافة نصف كيلومتر عُثر على بقايا شخص آخر (مونجو 3)، وهو رجل على الأرجح، مات فى سن الخمسين، وكان يعانى من التهاب المفاصل ومن تآكل شديد بالأسنان، ربما سببه جذب الألياف بأسنانه من أجل صنع شباك أو حبال. وقد دُفن جثمانه برعاية وتوقير ونُثر عليه أوكسيد الرصاص الأحمر المسحوق، الذى جُلب من مسافة مائتى كيلومتر. وقد أعيد رجل مونجو إلى بحيرة مونجو فى نوفمبر من العام 2017.
توفى كلا الشخصين منذ أربعين ألف عام، حين كانت بحيرات ويلاندرا، الجافة الآن، مليئة بالماء والأسماك والمحار، وكانت تجتذب العديد من الطيور والحيوانات التى يمكن صيدها أو حبسها، كانت الحياة طيّبة للغاية على ضفاف بحيرة مونجو حين كانا على قيد الحياة.
فى المحادثات التى أتخيّل أنها دارت وقت الشفق حول النيران، كان يتجمّع رجال ونساء، وفتية وفتيات، وآباء وأجداد، بعضهم ملتحف بفراء الحيوانات ويهدهد الأطفال الرضع. كان الأطفال يطاردون بعضهم بعضًا على حافّة البحيرة بينما كان الكبار ينتهون من التهام وجبة من المحار والسمك وجراد البحر الطازج ولحم الوَلَب. وببطء، تصير المحادثة جادة ويهيمن عليها الأشخاص كبار السنّ. وكما فى العديد من أيام الصيف الطويلة وليالى الشتاء الباردة، يعيد الكبار حكى ما سمعوه من أسلافهم ومعلميهم، وهم يطرحون نفس الأسئلة التى أثارت اهتمامى دائمًا: كيف تشكّل المشهد الطبيعى، بكل ما فيه من تلال وبحيرات ووديان ووهاد؟ من أين تأتى النجوم؟ متى عاش أول البشر، ومن أين أتوا؟ هل كان البشر موجودين على الدوام؟