نحتفى اليوم بذكرى إنشاء مدينة الإسكندرية التى تعد واحدة من أشهر مدن العالم القديم والحديث أيضا، لقد كان يطلق عليها لقب "المدينة" فكيف نشأت وما حدودها وخصائصها.
تقول موسوعة مصر القديمة (الجزء الرابع عشر) لعالم المصريات الشهير "سليم حسن" تحت عنوان "الإسكندرية فى عهد بطليموس الأول": وضع "الإسكندر الأكبر" حجر الأساس لمدينة "الإسكندرية" ولم يمهله الأجل ليرى مدينته التى أتمها من بعده "بطليموس الأول" وجعلها عروس البحر الأبيض المتوسط وزينة الدنيا من حيث المبانى، كما أضحت قبلة العالم من حيث العلوم والمعارف فى عصره وفى عصر أخلافه، وقد تميزت "الإسكندرية" عن سائر مدن مصر حتى أصبحت تُعرف باسم "المدينة"، وذلك على غرار مدينة "طيبة" فى عهد الفراعنة فكانت تعرف باسم "نو" أى المدينة وفى عصرنا تعرف "يثرب" وهى مدينة الرسول محمد ﷺ باسم "المدينة".
وتقع "الإسكندرية" على لسان من الأرض بين البحر وبحيرة "مريوط"، وعلى كل من جانبى هذا اللسان ميناء، وقد وضع تصميمها المهندس "دينوكراتيس المقدونى على شكل مستطيل وهو الشكل العادى الذى كان متبعًا فى تصميم المدن الهيلانية، ومن المحتمل أن سور الإسكندرية المحيط بها كان يبلغ عشرة أميال، وهذا النوع من التصميم الهندسى كان يوجد فى القرى الإغريقية التى أقيمت فى "الفيوم"، ولكن الطرق التى كُشف عنها فى "الإسكندرية" بخارجاتها المنيرة ليلًا ترجع فعلًا إلى العهد الرومانى، والواقع أن كل ما نعرفه عن المدن الإغريقية فى هذا العهد يرجع أصله بوجه خاص إلى ما كتبه "استرابون" الجغرافى الذى عاش فى القرن الأول بعد الميلاد، فقد وصف لنا شارعًا كبيرًا فى الإسكندرية فقال: إن عرضه مائة قدم ويمتد من الشرق إلى الغرب ويتقاطع بزوايا مستقيمة بشارع آخر ويؤديان إلى بوابات المدينة الأربع، وذكر أن عددًا كبيرًا من الشوارع يحمل أسماء العبادة للملكة "أرسنوى" الثانية زوجة "بطليموس الثانى".
وقد ربط الإسكندر جزيرة "فاروس" إلى اليابسة بواسطة "طوار" طوله سبعة أثمان الميل وأطلق عليه اسم هيبتاستاديون وكوَّن ميناء مزدوجًا، وفى شرقى الرصيف يوجد حوض طبيعى قد أُهمل الآن، وفى الغرب ميناء من صنع الإنسان تسمى "إينوستوس" ألفت بإقامة طوار فى الماء، وتتصل ببحيرة مريوط بقناة، وكان لكل منهما ميناء صغير داخلى مغلق ينفتح منها، فمن الميناء الشرقية كانت ميناء "بطليموس" الخاصة، ومن "إينوستوس" الميناء الحربية المسماة "كيبوتوس"، وكانت الميناء التى على بحيرة "مريوط" تدخل فيها تجارة النيل، ويقال إنها كانت تتسع لحمولة كبيرة أكثر من ميناءَى البحر، وهناك كان يرسو أسطول النزهة الفاخر الذى بناه "بطليموس الثانى"، وفيما بعد أقيم هناك القصر الفاخر الذى أقامه "بطليموس فيلوباتور" الرابع على عوامة، وهو عبارة عن قصر فاخر (فيلا أو كَرمة مؤلفة من قاعات ومحاريب محاطة بعُمُد).
وعلى شاطئ الميناء الشرقية كان يقع الحى الملكى المسمى بروشيون حيث يشاهد فى وسط المعابد والبساتين الشاسعة القصر الملكى والمتحف والمكتبة ومعبد اليهود وربوع الحرس ومقابر البطالمة والضريح الفاخر الذى أقيم لموارة جثمان «الإسكندر» فى عهد "بطليموس الثاني" عندما أحضره من منف على حسب إحدى الروايات، ولا يزال أباطرة الرومان يعدون هذا القبر مكانًا مقدسًا يحج إليه الناس، فمن بين الذين وفدوا إليه الإمبراطور "كراكلا".
وكان يشرف على كل هذه المبانى مبنى "الفاروس" أو "منارة الإسكندرية" التى أقامها "سوستراتوس" مواطن بلدة "كنيدوس" وذلك لتأمين البحَّارة وسفنهم فى عرض البحر، وقد بنيت هذه المنارة على شكل برج يتألف من ثلاث طبقات بعضها فوق بعض متناقضة فى الحجم من أسفل إلى أعلى ويبلغ ارتفاعها جميعًا حوالى ٤٠٠ قدم، وهذا المبنى كان منقطع النظير فى تلك الفترة، وكان الطابق الثالث الذى فيه المصباح يتألف من ثمانية عُمُد يرتكز عليها قبوة مشتعلة تحتها نار خشب راتنجي، ومن المحتمل أن النور كان ينعكس بواسطة مرآة مقعَّرة كانت تضيء الطريق للسفن ويصل إليه الإنسان بواسطة مصعد، ومن المحتمل أن العرب قد أخذوا عن هذا البرج المدرج تصميم المآذن التى تقام فى المساجد.
وكان بداخل المدينة المبانى التى كانت تحتوى على مصالح كل إدارات البلاد والمخازن الرئيسية للغلال والزيت والمحاصيل الأخرى ومحكمة العدل والجمنازيوم، ويقع "الأستوديوم" خلف البوابة الشرقية وحظيرة عربات السباق "هيبودروم" وفى الغرب على مقربة من الحى الوطنى يقع مبنى "بريميتيسكوس"وهو عبارة عن معبد "سيرابيس" العظيم، هذا ويوجد هناك ربوة صناعية مهداة للإله "بان" كانت تشرف على كل المدينة، وكانت الحوانيت والأسواق مقامة صفًّا صفًّا على جانبى الشوارع الرئيسية كما كان مقامًا فيها مئات البيوت التى تتألف من عدة طبقات عالية، وكانت الفنادق معروفة فى الإسكندرية يديريها عبيد لأسيادهم، وكان يجلب للأهلين المياه بقناة تأخذ مياهها من النيل، وتوزع بواسطة مجارٍ تملأ حياضًا تحت الأرض تأخذ منها الناس ما تحتاج إليه من الماء بالضخ.