القرآن الكريم الذى جاء به النبى محمد هدى من الله وبينات من الهدى والفرقان، كى يخرجهم من الظلمات إلى النور، النص الإلهى البديع، ومعجزة الله الكلامية، الذى جاء كآية للناس بجلال كلماته وجمال مفرداته وعظمة بلاغته، ليظل "الفرقان" و"البيان" لدى الناس، قادر على جذب أسماعهم وأبصارهم، ويأسر قلوبهم.
فى القرآن العديد من الآيات التى نزلت بلغة جميلة ووجيزة قادرة على التعبير الجمالى والتصوير الفنى، ومفردات كثيرة زينها الحسن والإبداع والإتقان، ومن تلك الآيات الجمالية التى جاءت فى القرآن: " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ (46)".
ونعتمد فى تفسيرنا على تفسير الطبرى حيث جاء فيه: يقول تعالى ذكره: أفلم يسيروا هؤلاء المكذّبون بآيات الله والجاحدون قدرته فى البلاد فينظروا إلى مصارع ضربائهم من مكذّبى رسل الله الذين خلوْا من قبلهم، كعاد وثمود وقوم لوط وشعيب، وأوطانهم ومساكنهم، فيتفكَّروا فيها ويعتبروا بها ويعلموا بتدبرهم أمرها وأمر أهلها، سنة الله فيمن كفر وعبد غيره وكذّب رسله، فينيبوا من عتوهم وكفرهم، ويكون لهم إذا تدبروا ذلك واعتبروا به وأنابوا إلى الحقّ( قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ) حجج الله على خلقه وقدرته على ما بيَّنا (أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) يقول: أو آذان تصغى لسماع الحقّ فتعى ذلك وتميز بينه وبين الباطل.وقوله: ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ ) يقول: فإنها لا تعمى أبصارهم أن يبصروا بها الأشخاص ويروها, بل يبصرون ذلك بأبصارهم; ولكن تعمى قلوبهم التى فى صدورهم عن أنصار الحق ومعرفته.
والهاء فى قوله: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى) هاء عماد، كقول القائل: إنه عبد الله قائم.
وقد ذكر أن ذلك فى قراءة عبد الله: "فإنَّهُ لا تَعْمَى الأبصار" وقيل: (وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ) والقلوب لا تكون إلا فى الصدور, توكيدا للكلام, كما قيل: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ.
وجاء فى تفسير البغوى: (أفلم يسيروا فى الأرض) يعني: كفار مكة، فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية، (فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها) يعني: ما يذكر لهم من أخبار القرون الماضية فيعتبرون بها، (فإنها) الهاء عماد، (لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور) ذكر "التى فى الصدور" تأكيدا كقوله: (يطير بجناحيه) (الأنعام: 38) معناه أن العمى الضار هو عمى القلب، فأما عمى البصر فليس بضار فى أمر الدين، قال قتادة: البصر الظاهر: بلغة ومتعة، وبصر القلب: هو البصر النافع.