تمر اليوم الذكرى الـ166، على قرار حاكم مصر من الأسرة العلوية محمد سعيد باشا بإنشاء مجلس تجار مختلط من المصريين والأجانب، وقد تسرب من هذا المجلس القانون الأجنبى ليحل محل المعاملات فى الشريعة الإسلامية، وذلك فى 18 أبريل عام 1855م، ويعتبر المؤرخون أن هذا القانون أحد القوانين التى زادت من التدخل الاجنبى فى مصر، ونفوذ الأجانب، مما ساعد فيما بعد فى مساعدة هؤلاء فى احتلال البلاد.
ويبدو أن القانون سالف الذكر كان ضمن حزمة قوانين زادت من النفوذ الأجنبي، ووفقا لدراسة بعنوان "محمد على باشا ودوره فى إدخال القوانين الأوروبية مصر" لـ محمد وفيق زين العابدين، فى عام 1850م صدر قانون التجارة العثمانى الذى كان مستمدًا من القانون التجارى الفرنسى الصادر عام 1807م، ثم صدر قانون الجزاء العثمانى الصادر عام 1858م الذى كان مستمدًا أيضا من القانون الفرنسى، وقانون الأراضى الأميرية الصادر فى ذات العام، ثم قانون التجارة البحرية عام 1861 م، فقانون أصول المحاكمات التجارية عام 1864م.
ونتيجة ضعف الخلافة الإسلامية وتزايد (الامتيازات الأجنبية) فى الدولة العثمانية بصفة عامة وفى مصر بصفة خاصة، فقد قويت سلطة سفراء وقناصل الحكومات الأجنبية حتى حالت دون محاكمة رعاياها أمام المحاكم الشرعية، وأصبح هذا عرف عام صار فيما بعد قانون بموجب (اللائحة السعيدية) المعروفة بـ(لائحة البوليس السعيدية) الصادرة فى الخامس عشر من أغسطس عام 1857م، فصار الأجانب بموجبها يحاكمون أمام القناصل التابعين لهم.
ويشير الدكتور محمد مورو، فى كتاب "تاريخ مصر الحديث" إن سعيد باشا كان كثير السخاء مع الأجانب ولم يكن يرفض أى منحة يطلبونها وكان ينساق من غير تبصر إلى أى مشروع يعرضونه عليه، فإذا لم ينالوا من تلك المشاريع ما يبغونه من ربح عوضهم سعيد باشا ما فاتهم من الأرباح، وكان القناصل يتدخلون لتأييد مطالب هؤلاء الأجانب ويكرهون سعيد باشا على إجابتها، وكانوا يتحرجون فى عهد عباس الأول من هذا التدخل لما كان لديه من الوسائل لوقفهم عند حدهم، وقيل إنه كان لديه نمر يألفه ويضعه بالقرب منه محجوبًا عن الأنظار فإذا اشتد الجدل بينه وبين أحد القناصل استدعى النمر فى رفق وهدوء إلى حيث يراه القنصل فكانت لهذه الوسيلة "الدبلوماسية" أثرها فى حسم النزاع.
وأشار كتاب "مشروع الإسلام السياسى فى التطور التاريخى و المعاصر" للدكتور عبد الوهاب العقابليك، إلى قيام سعيد باشا بإغلاق المدارس التى قام بإنشائها محمد على باشا، وفتح المجال لفتح المدارس الفرنسية والبريطانية والأمريكية المجانية الحرة والدولية، بالإضافة إلى المدارس اليونانية والإيطالية واليهودية والأرمنية، والتى وصفها الكتاب بالتبشيرية.
أما القانون الذى أقره الوالى والمشار إليه سابقا، فجاء ضمن الامتيارات الأجنبية التى أعطاها سعيد باشا والخديو إسماعيل، من أجل حفر مجرى قناة السويس العالمى، وإنشاء خطوط السكك الحديدة، فقام بإنشاء مجلس التجار تفصل فى المنازعات التجارية بين الأوروبيين والمصريين، ويقول هنا الكاتب عمرو الشلقانى فى كتابه "ازدهار وانهيار النخبة القانونية المصرية، 1805-2005"، إن تطبيق الشريعة وجه أعنف ضربة له عن إنشاء المجالس القومسيونات الأجنبية، ليأخذ من أوروبا تنظيما لجهاز العداة ونموذجا يحتذيه للإصلاح، وترك المحاكم الشرعية على ما كانت عليه من سوء تنظيم".