محمود سامى البارودى (1839- 1904) أبرز المجددين فى الشعر العربى، إضافة إلى كونه رجلا وطنيا دفع ثمن وطنيته غاليا، فقد رحل أحباؤه وضعفت صحته جراء المعاناة والنفى.
يدَ المنُونِ قدَحتِ أى زِنادِ
وأطرتِ أى شعلة بفؤادى
أوهَنتِ عزمى وهو حَملة فيلقٍ
وحَطَمتِ عودى وهو رُمحُ طِرادِ
لم أدرِ هَلْ خَطبٌ ألمَّ بِساحتى
فَأَنَاخَ، أَمْ سَهْمٌ أَصابَ سَوَادِي؟
ولد محمود سامى البارودى عام 1839 فى مدينة دمنهور، بمحافظة البحيرة، لأبوين من أصل شركسى فى أسرة ذات ثراء ونفوذ وسلطان، فقد كان والده ضابطا فى الجيش المصرى برتبة لواء، وعين مديرا لمدينتى "بربر" و"دنقلة" فى السودان ومات هناك ومحمود فى السابعة من عمره.
أَقْذَى الْعُيُونَ فَأَسْبَلَتْ بِمَدَامِعٍ
تجرى على الخدَّينِ كالفِرصادِ
ما كُنْتُ أَحْسَبُنِى أُراعُ لِحَادِثٍ
حتَّى مُنيتُ بهِ فأَوهَنَ آدى
أَبلتنى الحسراتُ حتَّى لم يكد
جِسْمِى يَلُوحُ لأَعْيُنِ الْعُوَّادِ
التحق وهو فى الـ12 من عمره بالمدرسة الحربية سنة 1852، وتخرج عام 1855 والتحق بالجيش السلطانى، وكانت له تجربة مهمة فى العمل بالخارجية التركية وذلك بسبب إجادته للغات العربية والتركية والفارسية.
أَسْتَنْجِدُ الزَّفَراتِ وَهْى لَوافِحٌ
وَأُسَفِّهُ الْعَبَرَاتِ وَهْى بَوَادِي
لا لوعتى تدعُ الفؤادَ، ولا يدى
تقوَى على ردِّ الحبيبِ الغادى
يا دَهْرُ، فِيمَ فَجَعْتَنِى بِحَلِيْلَة ٍ؟
كانَتْ خَلاصَة َ عُدَّتِى وَعَتَادِي
يحتفظ التاريخ المنصف لمحمود سامى البارودى بأنه أحد أبطال ثورة 1881 الشهيرة ضد الخديوى توفيق بالاشتراك مع أحمد عرابى، وقررت السلطات الحاكمة بعد فشل الثورة نفيه مع زعماء الثورة العرابية فى 3 ديسمبر 1882 إلى جزيرة سرنديب.
إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَاى لِبُعْدِها
أفلا رحِمتَ منَ الأسى أولادى؟
أَفْرَدْتَهُنَّ فَلَمْ يَنَمْنَ تَوَجُّعاً
قرحَى العيونِ رواجِفَ الأكباد
أَلْقَيْنَ دُرَّ عُقُودِهِنَّ، وَصُغْنَ مِنْ
دُرِّ الدُّموعِ قلائدَ الأجيادِ
وعندما بلغ الستين من عمره واشتد عليه المرض وضعف البصر، عاد إلى مصر يوم 12 سبتمبر 1899 للعلاج وكانت فرحته بالعودة إلى الوطن غامرة، وأنشد يقول:
يبكينَ من ولهٍ فراقَ حَفيَّة
كانتْ لَهنَّ كثيرة الإسعادِ
فَخُدُودُهُنَّ مِنَ الدُّمُوعِ نَدِيَّة
وقًلوبُهنَّ منَ الهمومِ صوادى
أسليلة َ القمرينِ ! أى ُّ فجيعة
حَلَّتْ لِفَقْدِكَ بَيْنَ هَذَا النَّادِي؟
وقضى محمود سامى البارودى السنوات الأخيرة من حياته مشغولا بالشعر والثقافة حتى توفى فى 12 من ديسمبر عام 1904.
أعزز على بأن أراكِ رهينة
فى جَوْفِ أَغْبَرَ قاتِمِ الأَسْدَادِ!
أَوْ أَنْ تَبِينِى عَنْ قَرَارَةِ مَنْزِلٍ
كُنْتِ الضِيَاءَ لَهُ بِكُلِّ سَوَادِ
لَوْ كَانَ هَذَا الدَّهْرُ يَقْبَلُ فِدْيَةً
بِالنَّفْسِ عَنْكِ لَكُنْتُ أَوَّلَ فَادِي
أَوْ كَانَ يَرْهَبُ صَوْلَةً مِنْ فَاتِكٍ
لَفَعَلْتُ فِعْلَ الْحَارِثِ بْنِ عُبَادِ
لَكِنَّهَا الأَقْدَارُ لَيْسَ بِنَاجِعٍ
فِيها سِوَى التَّسْلِيمِ وَالإِخْلادِ
فَبِأَى مَقْدِرَةٍ أَرُدُّ يَدَ الأَسَى
عَنِّى وَقَدْ مَلَكَتْ عِنَانَ رَشَادِي
مَا … نَاحَتْ مُطَوَّقَةٌ عَلَى الأَعْوَادِ