خليل مطران، شاعر لبنانى شهير (1872- 1949) عاش معظم حياته فى مصر، وتلقى تعليمه بالمدرسة البطريريكية ببيروت، تلقى توجيهاته فى البيان العربى على يد أستاذاه الأخوان خليل وإبراهيم اليازجى.
داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِى
مِنْ صَبْوَتِى فَتَضَاعَفَتْ بُرَحَائِى
يَا لَلضَّعِيفَيْنِ اسْتَبَدَّا بِى وَمَا
فِى الظُّلْمِ مِثْلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ
قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالْجَوَى
وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنِ الأَدْوَاءِ
وَالرُّوْحُ بيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ
فِى حَالَى التَّصْوِيبِ وَ الصُّعَدَاءِ
انتقل إلى مصر وعمل محررا بجريدة الأهرام لعدد من السنوات، ثم قام بإنشاء "المجلة المصرية" ومن بعدها جريدة "الجوانب المصرية" اليومية والتى عمل فيها على مناصرة مصطفى كامل باشا فى حركته الوطنية واستمر إصدارها على مدار أربع سنوات، وقام بترجمة عدة كتب، وكان شاعرا معروفا بشاعر القطرين.
وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ
كَدَرِى وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائِي
هَذَا الَّذِى أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي
مِنْ أَضْلُعِى وَحَشَاشَتِى وَذَكَائِي
عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ لَوْ أَنْصَفْتِنِي
لَمْ يَجْدُرَا بِتَأَسُّفِى وَبُكَائِي
عُمْرَ الْفَتَى الْفَانِى وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ
بِبيَانِهِ لَوْلاَكِ فى الأَحْيَاءِ
فغَدَوْتَ لَمْ أَنْعَمْ كَذِى جَهْلٍ وَلَمْ
أغْنَمْ كَذِى عَقْلٍ ضَمَانَ بَقَاءِ
يَا كَوْكَباً مَنْ يَهْتَدِى بِضِيائِهِ
يَهْدِيهِ طَالِعُ ضِلَّةٍ وَرِيَاءِ
خلال فترة إقامته فى مصر عهدت إليه وزارة المعارف المصرية بترجمة كتاب الموجز فى علم الاقتصاد مع الشاعر حافظ إبراهيم، وصدر له ديوان شعر مطبوع فى أربعة أجزاء عام 1908، عمل مطران على ترجمة مسرحيات شكسبير وغيرها من الأعمال الأجنبية، كما كان له دور فعال فى النهوض بالمسرح القومى بمصر.
يا مَوْرِداً يَسْقِى الوُرُودَ سَرَابُهُ
ظَمَأً إِلى أَنْ يَهْلِكُوا بِظَمَاءِ
يَا زَهْرَةً تُحْيِى رَوَاعِى حُسْنِهَا
وَتُمِيتُ نَاشِقَهَا بِلاَ إِرْعَاءِ
هَذا عِتَابُكِ غَيْرَ أَنِّى مُخْطِيءٌ
أَيُرَامُ سَعْدٌ فِى هَوَى حَسْنَاءِ
حَاشَاكِ بَلْ كُتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الْورَى
وَالْحُبُّ لَمْ يَبْرَحْ أَحَبَّ شَقَاءِ
نِعْمَ الضَّلاَلَةُ حَيْثُ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي
أَنْوَارُ تِلْكَ الطَّلْعَةِ الزَّهْرَاءِ
نِعْمَ الشَّفَاءُ إِذَا رَوِيْتُ بِرشْفَةٍ
مَكْذُوبَةٍ مِنْ وَهْمِ ذَاكَ المَاء
نِعْمَ الْحَيَاةُ إذا قضَيْتُ بِنَشْقَةٍ
مِنْ طِيبِ تِلكَ الرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ
إِنِّى أَقَمْتُ عَلى التَّعِلَّةِ بِالمُنَى
فِى غُرْبَةٍ قَالوا تَكُونُ دَوَائِي
إِنْ يَشْفِ هَذَا الْجِسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا
أَيُلَطَّف النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ
أَوْ يُمْسِكِ الْحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامَهَا
هَلْ مَسْكَةٌ فِى البُعْدِ للْحَوْبَاءِ
عَبَثٌ طَوَافِى فِى الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ
فِى عِلَّةٍ مَنْفَاى لاِسْتشْفَاءِ
مُتَفَرِّدٌ بِصَبَابَتِى مُتَفَرِّد
بِكَآبَتِى مُتَفَرِّدٌ بَعَنَائِي
شاكٍ إِلى البَحْرِ اضْطَرابَ خَوَاطِرِي
فَيُجِيبُنِى بِرِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ
ثاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لِي
قَلْباً كَهَذِى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ
يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي
وَيَفُتُّهَا كَالسُّقْمِ فِى أَعْضَائِي
وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الْجَوَانِبِ ضَائِقٌ
كَمَداً كصَدْرِى سَاعَةَ الإِمْسَاءِ
تَغْشَى الْبَريَّةَ كُدْرَةٌ وَكَأَنَّهَا
صَعِدَتْ إِلى عَيْنَى مِنْ أَحْشَائي
وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ
يُغْضِى عَلَى الْغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ
يا لَلْغُرُوبِ وَمَا بِهِ مِنْ عِبْرَةٍ
للِمْسْتَهَامِ وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي
أَوَلَيْسَ نَزْعاً لِلنَّهَارِ وَصَرْعَةً
لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ
أَوَلَيْسَ طَمْساً لِلْيَقِينِ وَمَبْعَثاً
للِشَّكِّ بَيْنَ غَلاَئِلِ الظَّلْمَاءِ
أَوَلَيْسَ مَحْواً لِلْوُجُودِ إِلى مَدىً
وَإبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ
حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيداً لَهَا
وَيَكونَ شِبْهَ الْبَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ
وَالْقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ
وَخَوَاطِرِى تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي
كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائِي
وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْنِى يَسِيلُ مُشَعْشَعاً
بِسَنَى الشُّعَاعِ الْغَارِبِ المُتَرَائِي
وَالشَّمْسُ فِى شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ
فَوْقَ الْعَقِيقِ عَلى ذُرىً سَوْدَاءِ
مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّراً
وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ
فَكَأَنَّ آخِرَ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ
مُزِجَتْ بِآخِرِ أَدْمُعِى لِرِثَائِي
وَكأَنَّنِى آنَسْتُ يَوْمِى زَائِلاً
فَرَأَيْتُ فِى المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائى