بعد موت سيدنا النبى، عليه الصلاة والسلام، ارتد البعض، وادعى آخرون النبوة، فما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك.
يقول كتاب البداية والنهاية تحت عنوان "قصة سجاح وبنى تميم":
كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة فمنهم من ارتد ومنع الزكاة، ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى الصديق، ومنهم من توقف لينظر فى أمره، فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التغلبية من الجزيرة وهى من نصارى العرب وقد ادعت النبوة ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبى بكر الصديق، فلما مرت ببلاد بنى تميم دعتهم إلى أمرها فاستجاب لها عامتهم، وكان ممن استجاب لها: مالك بن نويرة التميمي، وعطارد بن حاجب، وجماعة من سادات أمراء بنى تميم، وتخلف آخرون منهم عنها، ثم اصطلحوا على أن لا حرب بينهم إلا أن مالك بن نويرة لما وادعها ثناها عن عودها وحرضها على بنى يربوع، ثم اتفق الجميع على قتال الناس وقالوا: بمن نبدأ؟
فقالت لهم فيما تسجعه: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب فليس دونهم حجاب، ثم إنهم تعاهدوا على نصرها.
ثم إن سجاح قصدت بجنودها اليمامة لتأخذها من مسيلمة بن حبيب الكذاب فهابه قومها وقالوا: إنه قد استفحل أمره وعظم.
فقالت لهم فيما تقوله: عليكم باليمامة، دفوا دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرامة، لا تلحقكم بعدها ملامة.
قال: فعمدوا لحرب مسيلمة، فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده، وذلك أنه مشغول بمقاتلة ثمامة بن أثال، وقد ساعده عكرمة ابن أبى جهل بجنود المسلمين، وهم نازلون ببعض بلاده ينتظرون قدوم خالد كما سيأتي.
فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذى كان لقريش لو عدلت، فقد رده الله عليك فحباك به، وراسلها ليجتمع بها فى طائفة من قومه فركب إليها فى أربعين من قومه، وجاء إليها فاجتمعا فى خيمة فلما خلا بها وعرض عليها ما عرض من نصف الأرض وقبلت ذلك.
قال مسيلمة: سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذا طمع، ولا يزال أمره فى كل ما يسر مجتمع، رآكم ربكم فحياكم، ومن وحشته أخلاكم، ويوم دينه أنجاكم فأحياكم، علينا من صلوات معشر أبرار لا أشقياء ولا فجار، يقومون الليل ويصومون النهار، لربكم الكبار، رب الغيوم والأمطار.
وقال أيضا: لما رأيت وجوههم حسنت، وأبشارهم صفت، وأيديهم طفلت.
قلت لهم: لا النساء تأتون، ولا الخمر تشربون، ولكنكم معشر أبرار تصومون، فسبحان الله إذا جاءت الحياة كيف تحيون، وإلى ملك السماء كيف ترقون، فلو أنها حبة خردلة لقام عليها شهيد يعلم ما فى الصدور، ولأكثر الناس فيها الثبور.
وقد كان مسيلمة - لعنه الله - شرع لمن اتبعه أن الأعزب يتزوج فإذا ولد له ذكر فيحرم عليه النساء حينئذ إلا أن يموت ذلك الولد الذكر فتحل له النساء حتى يولد له ذكر، هذا مما اقترحه - لعنه الله - من تلقاء نفسه.
ويقال: إنه لما خلا بسجاح سألها ماذا يوحى إليها؟
فقالت: وهل يكون النساء يبتدئن بل أنت ماذا أوحى إليك؟
فقال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا.
فقالت: أشهد أنك نبي.
فقال لها: هل لك أن أتزوجك وآكل بقومى وقومك العرب.
قالت: نعم.
وأقامت عنده ثلاثة أيام، ثم رجعت إلى قومها.
فقالوا: ما أصدقك؟
فقالت: لم يصدقنى شيئا.
فقالوا: إنه قبيح على مثلك أن تتزوج بغير صداق.
فبعثت إليه تسأله صداقا.
فقال: أرسلى إلى مؤذنك، فبعثته إليه وهو شبت بن ربعي.
فقال: ناد فى قومك إن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد - يعني: صلاة الفجر، وصلاة العشاء الآخرة - فكان هذا صداقها عليه - لعنهما الله -.
ثم انثنت سجاح راجعة إلى بلادها وذلك حين بلغها دنو خالد من أرض اليمامة، فكرت راجعة إلى الجزيرة بعد ما قبضت من مسيلمة نصف خراج أرضه، فأقامت فى قومها بنى تغلب إلى زمان معاوية، فأجلاهم منها عام المجاعة.