واحد من الطقوس والعبادات الدينية المرتبطة بالشهر الكريم، هو الاعتكاف، هو لزوم المسجد لطاعة الله وللتفرغ للعبادة، فى الليل أو النهار، ساعة أو يومًا، أو ليلة أو أيامًا أو ليالى، سنة كما قال الله جل وعلا: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِى الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].
وبحسب فتوى للدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية الأسبق، الاعتكاف مستحب شرعا، ولا يكون واجبا إلا بالنذر، ويجوز أن يكون فى أى مسجد، وأقله: أقل ما يطلق عليه اسم الاعتكاف لغةً، حتى إن المصلِّى إذا دخل المسجد له أن ينوى الاعتكاف مهما كان مكثه فيه ويحصل له ثوابه. وليس لأكثر أيام الاعتكاف حدٌّ؛ فيجوز أن يعتكف المرء شهرًا أو أكثر بشرط أن لا يضيع من يعول أو واجباته الدينية أو الدنيوية.
قال الإمام ابن القيم فى كتابه زاد المعاد (2/90)، إن النبى -صلى الله عليه وسلم- اعتكف مرة فى العشر الأول من رمضان، ثم الأوسط يلتمس ليلة القدر، ثم تبين له أنها فى العشر الأخير فداوم على اعتكاف العشر الأخير حتى لحق بربه عز وجل.
وفى الصحيح من الأحاديث: كان النبى – صلى الله عليه وسلم- يجاور فى العشر الأوسط من رمضان، وفى صحيح مسلم فى قصة بدء الوحى: أنه – صلى الله عليه وسلم- كان يجاور بحراء، والأصل فيه قبل الإجماع: القرآن ذالكريم والسُّنة المطهرة.
والاعتكاف من الشرائع القديمة، التى كانت معروفة قبل الإسلام، قال تعالى على لسان إبراهيم - عليه السلام: (ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون) آية رقم 52 من سورة الأنبياء.
وأضاف ابن القيم أن النبى -صلى الله عليه وسلم- ترك مرة اعتكاف العشر الأخير فقضاه فى شوال فاعتكف العشر الأول منه. رواه البخارى ومسلم، ولما كان العام الذى قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً. رواه البخارى (2040).
وأوضح ابن القيم فى "زاد المعاد" أن الحكمة من اعتكاف الرسول صلى الله عليه وسلم 20 يوما فى آخر عام بحياته: أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْم بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ فى العام الحادى عشر من الهجرة فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ لِيُبَيِّنَ لأُمَّتِهِ الاجْتِهَادَ فِى الْعَمَل إِذَا بَلَغُوا أَقْصَى الْعَمَل لِيَلْقَوْا اللَّهَ عَلَى خَيْرِ أَحْوَالِهِمْ، وَقِيلَ: السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ جِبْرِيل كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِى كُلّ رَمَضَانَ مَرَّةً، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِى قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ فَلِذَلِكَ اِعْتَكَفَ قَدْرَ مَا كَانَ يَعْتَكِف مَرَّتَيْنِ.