إليا أبو ماضى شاعر لبنانى من شعراء المهجر ومؤسسى الرابطة القلمية التى ضمت جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة، عاش فى بين عامى (1889م-1957م).
جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّى أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامى طَريقاً فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقى لَستُ أَدري
ولد فى قرية (المحيدثة) بلبنان، وسكن الإسكندرية (سنة 1900م)، وعمل بائعا للسجائر، وأثناء تلك الفترة أولع بالأدب والشعر حفظاً ومطالعةً ونظماً، قبل هجرته إلى أميركا (1911) فاستقر فى (سنسناتي) خمسة أعوام.
أَجَديدٌ أَم قَديمٌ أَنا فى هَذا الوُجود
هَل أَنا حُرٌّ طَليقٌ أَمأَسيرٌ فى قُيود
هَل أَنا قائِدُ نَفسى فى حَياتى أَم مَقود
أَتَمَنّى أَنَّنى أَدرى وَلَكِن لَستُ أَدري
وَطَريقى ما طَريقى أَطَويلٌ أَم قَصير
هَل أَن أَصعَدُ أَم أَهبِطُ فيه وَأَغور
أَأَنا السائِرُ فى الدَربِ أَمِ الدَربُ يَسير
أَم كِلانا واقِف وَالدَهرِ يَجرى لَستُ أَدري
انتقل بعدها إلى نيويورك (1916) فعمل فى جريدة (مرآة الغرب) ثم أصدر جريدة (السمير) أسبوعية (سنة 1929) فيومية فى بروكلن إلى أن توفى بها، نضج شعره فى كبره، وغُنّى ببعضه، وزار وطنه قبيل وفاته، له (تذكار الماضى، وديوان أبى ماضى، الجداول، الخمائل.
لَيتَ شِعرى وَأَنا فى عالَمِ الغَيبِ الأَمين
أَتَرانى كُنتُ أَدرى أَنَّنى فيهِ دَفين
وَبِأَنّى سَوفَ أَبدو وَبِأَنّى سَأَكون
أَمتَرانى كُنتُ لا أُدرِكُ شَيئاً لَستُ أَدري
أَتُرانى قَبلَما أَصبَحتُ إِنساناً سَوِيّاً
أَتُرانى كُنتُ مَحواً أَم تُرانى كُنتُ شَيّا
أَلِهَذا اللُغزُ حَلٌّ أَم سَيَبقى أَبَدِيّا
لَستُ أَدرى وَلِماذا لَستُ أَدرى لَستُ أَدري
قَد سَأَلتُ البَحرَ يَوماً هَل أَنا يا بَحرُ مِنكا
هَل صَحيحٌ ما رَواهُ بَعضُهبُم عَنّى وَعَنكا
أَم تُرى ما زَعَموا زورا وَبُهتانا وَإِفكا
ضَحِكَت أَمواجُهُ مِنّى وَقالَت لَستُ أَدري
أَيُّها البَحرُ أَتَدرى كَم مَضَت أَلفٌ عَلَيكا
وَهَلِ الشاطِئُ يَدرى أَنَّهُ جاثٍ لَدَيكا
وَهَلِ الأَنهارُ تَدرى أَنَّها مِنكَ إِلَيكا
ما الَّذى الأَمواجُ قالَت حينَ ثارَت لَستُ أَدري
أَنتَ يا بَحرُ أَسيرٌ آهِ ما أَعظَمَ أَسرَك
أَنتَ مِثلى أَيُّها الجَبّارُ لا تَملِكُ أَمرَك
أَشبَهَت حالُكَ حالى وَحَكى عُذرِى عُذرَك
فَمَتى أَنجو مِنَ الأَسر وَتَنجو لَستُ أَدري
تُرسِلُ السُحبَ فَتسقى أَرضَنا وَالشَجَرا
وَقَد أَكَلناك وَقُلنا قَد أَكَلنا الثَمَرا
وَشَرِبناك وَقُلنا قَد شَرِبنا المَطَرا
أَصَوابٌ ما زَعَمنا أَم ضَلالٌ لَستُ أَدري
قَد سَأَلتُ السُحبَ فى الآفاقِ هَل تَذكُرُ رَملَك
وَسَأَلتُ الشَجَرَ المورِقَ هَل يَعرِفُ فَضلَك
وَسَأَلتُ الدُرَّ فى الأَعناقِ هَل تَذكُرُ أَصلَك
وَكَأَنّى خِلتُها قالَت جَميعاً لَستُ أَدري
يَرقُصُ المَوج وَفى قاعِكَ حَربٌ لَن تَزولا
تَخلُقُ الأَسماكَ لَكِن تَخلُقُ الحوتَ الأَكولا
قَد جَمَعتَ المَوتَ فى صَدرِك وَالعَيشَ الجَميلا
لَيتَ شِعرى أَنتَ مَهدٌ أَم ضَريحٌ لَستُ أَدري
كَم فَتاةٍ مِثلِ لَيلى وَفَتىً كَاِبنِ المُلَوَّح
أَنفَقا الساعاتِ فى الشاطِءِ تَشكو وَهوَ يَشرَح
كُلَّما حَدَّثَ أَصغَت وَإِذا قالَت تَرَنَّح
أَحَفيفُ المَوجِ سِرٌّ ضَيَّعاهُ لَستُ أَدري
كَم مُلوكٍ ضَرَبوا حَولَكَ فى اللَيلِ القِبابا
طَلَعَ الصُبح وَلَكِن لَم نَجِد إِلّا الضَبابا
أَلَهُم يا بَحرُ يَوماً رَجعَةٌ أَم لا مَآبا
أَم هُمُ فى الرَملِ قالَ الرَملُ إِنّى لَستُ أَدري
فيكَ مِثلى أَيُّها الجَبّارُ أَصداف وَرَملُ
إِنَّما أَنتَ بِلا ظِل وَلى فى الأَرضِ ظِلُّ
إِنَّما أَنتَ بِلا عَقل وَلى يا بَحرُ عَقلُ
فَلِماذا يا تُرى أَمضى وَتَبقى لَستُ أَدري
يا كِتابَ الدَهرِ قُل لى أَلَهُ قَبل وَبَعدُ
أَنا كَالزَورَقِ فيه وَهوَ بَحرٌ لا يُحَدُّ
لَيسَ لى قَصدٌ فَهَل لِلدَهرِ فى سَيرِى قَصدُ
حَبَّذا العِلم وَلَكِن كَيفَ أَدرى لَستُ أَدري
إِنَّ فى صَدرى يا بَحرُ لَأَسراراً عِجابا
نَزَلَ السِترُ عَلَيها وَأَنا كُنتُ الحِجابا
وَلِذا اِزدادَ بُعداً كُلَّما اِزدَدتُ اِقتِرابا
وَأُرانى كُلَّما أَوشَكتُ أَدرى لَستُ أَدري
إِنَّنى يا بَحرُ بَحرٌ شاطِئاهُ شاطِئاكا
الغَدُ المَجهول وَالأَمسُ اللَذانِ اِكتَنَفاكا
وَكِلانا قَطرَةٌ يا بَحرُ فى هَذا وَذاكَ
لا تَسَلنى ما غَدٌ ما أَمسُ إِنّى لَستُ أَدري
قيلَ لى فى الدَيرِ قَومٌ أَدرَكوا سِرَّ الحَياة
غَيرَ أَنّى لَم أَجِد غَيرَ عُقولٍ آسِنات
وَقُلوبٍ بَلِيَت فيها المُنى فَهى رُفات
ما أَنا أَعمى فَهَل غَيرِى أَعمى لَستُ أَدري
قيلَ أَدرى الناسِ بِالأَسرارِ سُكّانُ الصَوامِع
قُلتُ إِن صَحَّ الَّذى قالوا فَإِنَّ السِرَّ شائِع
عَجَباً كَيفَ تَرى الشَمسَ عُيونٌ فى البَراقِع
وَالَّتى لَم تَتَبَرقَع لا تَراها لَستُ أَدري
إِن تَكُ العِزلَةُ نُسكا وَتُقىً فَالذِئبُ راهِب
وَعَرينُ اللَيثِ دَيرٌ حُبُّهُ فَرض وَواجِب
لَيتَ شِعرى أَيُميتُ النُسكُ أَم يُحى المَواهِب
كَيفَ يَمحو النُسكُ إِثماً هوَ إِثمٌ لَستُ أَدري
إِنّى أَبصَرتُ فى الدَيرِ وُروداً فى سِياجِ
قَنِعتُ بَعدَ النَدى الطاهِرِ بِالماءِ الأَجاجِ
حَولَها النورُ الَّذى يَجيء وَتَرضى بِالدَياجي
أَمِنَ الحِكمَةِ قَتلُ القَلبِ صَبراً لَستُ أَدري
قَد دَخَلتُ الدَيرَ عِندَ الفَجرِ كَالفَجرِ الطَروبِ
وَتَرَكتُ الدَيرَ عِندَ اللَيلِ كَاللَيلِ الغَضوب
كانَ فى نَفسِى كَربُ صارَ فى نَفسى كُروب
أَمِنَ الدَيرِ أَمِ اللَيلِ اِكتِئابى لَستُ أَدري
قَد دَخَلتُ الدَيرَ أَستَنطِقُ فيهِ الناسِكينا
فَإِذا القَومُ مِنَ الحَيرَةِ مِثلى باهِتونا
غَلَبَ اليَأسُ عَلَيهِم فَهُم مُستَسلِمونا
وَإِذا بِالبابِ مَكتوبٌ عَلَيهِ لَستُ أَدري
عَجَباً لِلناسِكِ القانِت وَهوَ اللَوذَعي
هَجَرَ الناس وَفيهِم كُلُّ حُسنِ المُبدِعِ
وَغَدا يَبحَثُ عَنهُ فى المَكانِ البَلقَعِ
أَرَأى فى القَفرِ ماءً أَم سَرابا لَستُ أَدري
كَم تُمارى أَيُّحا الناسِكُ فى الحَقِّ الصَريح
لَو أَرادَ اللَهَُ أَن لا تَعشَقَ الشَيءَ المَليح
كانَ إِذ سَوّاكَ سَوّاكَ بِلا عَقل وَروح
فَالَّذى تَفعَلُ إِثمٌ قالَ إِنّى لَستُ أَدري
أَيُّها الهارِبُ إِنَّ العارَ فى هَذا الفِرارِ
لا صَلاحٌ فى الَّذى تَفعَلُ حَتّى لِلقِفارِ
أَنتَ جانٍ أَى جانِ قاطِلٌ فى غَيرِ ثارِ
أَفَيَرضى اللَهُ عَن هَذا وَيَعفو لَستُ أَدري
وَلَقَد قُلتُ لِنَفسى وَأَنا بَينَ المَقابِر
هَل رَأَيتِ الأَمن وَالراحَةَ إِلّا فى الحَفائِر
فَأَشارَت فَإِذا لِلدودِ عَيثٌ فى المَحاجِر
ثُمَّ قالَت أَيُّها السائِلُ إِنّى لَستُ أَدري
أُنظُرى كَيفَ تَساوى الكُلُّ فى هَذا المَكانِ
وَتَلاشى فى بَقايا العَبدِ رَبُّ الصَولَجانِ
وَاِلتَقى العاشِق وَالقالى فَما يَفتَرِقانِ
أَفَهَذا مُنتَهى العَدلِ فَقالَت لَستُ أَدري
إِن يَكُ المَوتُ قِصاصاً أَى ذَنبٍ لِلطَهارَه
وَإِذا كانَ ثَواباً أَى فَضلٍ لِلدَعارَه
وَإِذا كان وَما فيهِ جَزاءٌ أَو خَسارَه
دَلِمَ الأَسماءُ إِثمٌ أَو صَلاحٌ لَستُ أَدري
أَيُّها القَبرُ تَكَلَّم وَاِخبِرينى يا رِمام
هَل طَوى أَحلامَكَ المَوت وَهَل ماتَ الغَرام
مَن هُوَ المائِتُ مِن عام وَمِن مِليونِ عام
أَيَصيرُ الوَقتُ فى الأَرماسِ مَحواً لَستُ أَدري
إِن يَكُ المَوتُ رُقاداً بَعدَهُ صَحوٌ طَويل
فَلِماذا لَيسَ يَبقى صَحوُنا هَذا الجَميلِ
وَلِماذا المَرءُ لا يَدرى مَتى وَقتُ الرَحيل
وَمَتى يَنكَشِفُ السِرُّ فَيَدرى لَستُ أَدري
إِن يَكُ المَوتُ هُجوعاً يَملَءُ النَفسَ سَلاما
وَاِنعِتاقاً لا اِعتِقالا وَاِبتِداءً لا خِتاما
فَلِماذا أَعشَقُ النَوم وَلا أَهوى الحِماما
وَلِماذا تَجزَعُ الأَرواحُ مِنهُ لَستُ أَدري
أَوراءَ القَبرِ بَعدَ المَوتِ بَعث وَنُشورُ
فَحَياةٌ فَخُلودُ أَم فَناء وَدُثورُ
أَكَلامُ الناسِ صِدقٌ أَم كَلامُ الناسِ زورُ
أَصَحيحٌ أَنَّ بَعضَ النصاسِ يَدرى لَستُ أَدري
إِن أَكُن أُبعَثُ بَعدَ المَوتِ جُثمانا وَعَقلاً
أَتَرى أُبعَثُ بَعضاً أَم تُرى أُبعَثُ كُلّاً
أَتُرى أُبعَثُ طِفلاً أَم تُرى أُبعَثُ كَهلاً
ثُمَّ هَل أَعرِفُ بَعدَ المَوتِ ذاتى لَستُ أَدري
يا صَديقى لا تُعَلِّلنى بِتَمزيقِ السُتورِ
بَعدَما أَقضى فَعَقلى لا يُبالى بِالقُشورِ
إِن أَكُن فى حالَةِ الإِدراكِ لا أَدرى مَصيري
كَيفَ أَدرى بَعدَما أَفقِدُ رُشدى لَستُ أَدري
وَلَقَد أَبصَرتُ قَصراً شاهِقاً عالى القُِباب
قُلتُ ما شادَكَ مَن شادَكَ إِلّا لِلخَراب
أَنتَ جِزءٌ مِنهُ لَكِن لَستَ تَدرى كَيفَ غاب
وَهُوَ لا يَعلَمُ ما تَحوى أَيَدرى لَستُ أَدري
يا مِثالاً كانَ وَهماً قَبلَما شاءَ البُناة
أَنتَ فِكرٌ مِن دِماغٍ غَيَّبَتهُ الظُلُمات
أَنتَ أُمنِيَّةُ قَلبِ أَكَلَتهُ الحَشَرات
أَنتَ بانيكَ الَّذى شادَكَ لا لا لَستُ أَدري
كَم قُصورٍ خالَها البانى سَتَبقى وَتَدوم
ثابِتاتٍ كَالرَواسى خالِداتٍ كَالنُجوم
سَحَبَ الدَهرُ عَلَيها ذَيلَهُ فَهى رُسوم
ما لَنا نَبنى وَما نَبنى لِهَدمٍ لَستُ أَدري
لَم أَجِد فى القَصرِ شَيئاً لَيسَ فى الكوخِ المَهينِ
أَنا فى هَذا وَهَذا عَبدُ شَك وَيَقينِ
وَسَجينُ الخالِدَينِ اللَيل وَالصُبحِ المُبينِ
هَل أَنا فى القَصرِ أَم فى الكوخِ أَرقى لَستُ أَدري
لَيسَ فى الكوخ وَلا فى القَصرِ مِن نَفسى مَهرَب
إِنَّنى أَرجو وَأَخشى إِنَّنى أَرضى وَأَغضَب
كانَ ثَوبى مِن حَريرٍ مُذهَبٍ أَو كانَ قِنَّب
فَلِماذا يَتَمَنّى الثَوبَ عارى لَستُ أَدري
سائِلِ الفَجرَ أَعِندَ الفَجرِ طين وَرُخامُ
وَاِسأَلِ القَصرَ أَلا يُخفيهِ كَالكوخِ الظَلام
وَاِسأَلِ الأَنجُم وَالريح وَسَل صَوبَ الغَمام
أَتَرى الشَيءَ كَما نَحنُ نَراهُ لَستُ أَدري
رُبَّ فِكرٍ لاحَ فى لَوحَةِ نَفسى وَتَجَلّى
خِلتُهُ مِنّى وَلَكِن لَم يُقَم حَتّى تَوَلّى
مِثلَ طَيفٍ لاحَ فى بِئرٍ قَليلا وَاِضمَحَلّا
كَيفَ وافى وَلِماذا فَرَّ مِنّى لَستُ أَدري
أَتَراهُ سابِهاً فى الأَرضِ مِن نَفسٍ لِأُخرى
رابَهُ مِنّى أَمرٌ فَأَبى أَن يَستَقِرّا
أَم تُراهُ مَرَّ فى نَفسى كَما أَعبُرُّ جِسراً
هَل رَأَتهُ قَبلَ نَفسى غَيرُ نَفسى لَستُ أَدري
أَم تُراهُ بارِقاً أَومَضَ حينا وَتَوارى
أَم تُراهُ كانَ مِثلَ الطَيرِ فى سِجنٍ فَطارا
أَم تُراهُ اِنحَلَّ كَالمَوجَةِ فى نَفسى وَغارا
فَأَنا أَبحَثُ عَنه وَهوَ فيها لَسُت أَدري
إِنَّنى أَشهَدُ فى نَفسى صِراعا وَعِراكا
وَأَرى ذاتِى شَيطانا وَأَحياناً مَلاكا
هَل أَنا شَخصانِ يَأبى هَذا مَع ذاكَ اِشتِراكا
أَم تُرانى واهِماً فيما أَراهُ لَستُ أَدري
بَينَما قَلبِى يَحكى فى الضُحى إِحدى الخَمائِل
فيهِ أَزهار وَأَطيارٌ تُغَنّى وَجَداوِل
أَقبَلَ العَصرُ فَأَمسى موحِشاً كَالقَفرِ قاحِل
كَيفَ صارَ القَلبُ رَوضاً ثُمَّ قَفراً لَستُ أَدري
أَينَ ضِحكى وَبُكائى وَأَنا طِفلٌ صَغير
أَينَ جَهلى وَمَراحى وَأَنا غَضٌّ غَرير
أَينَ أَحلامى وَكانَت كَيفَما سِرتُ تَسير
كُلَّها ضاعَت وَلَكِن كَيفَ ضاعَت لَستُ أَدري
لِى إيمان وَلَكِن لا كَئيمانى وَنُسكي
إِنَّنى أَبكى وَلَكِن لا كَما قَد كُنتُ أَبكي
وَأَنا أَضحَكُ أَحيانا وَلَكِن أَى ضِحكِ
لَيتَ شِعرى ما الَّذى بَدَّلَ أَمرى لَستُ أَدري
كُلَّ يَومٍ لِى شَأنٌ كُلَّ حينٍ لى شُعور
هَل أَنا اليَومَ أَنا مُنذُ لَيال وَشُهور
أَم أَنا عِندَ غُروبِ الشَمسِ غَيرى فى البُكور
كُلَّما ساءَلتُ نَفسى جاوَبَتنى لَستُ أَدري
رُبَّ أَمرٍ كُنتُ لَمّا كانَ عِندى أَتَّقيهِ
بِتُّ لَمّا غابَ عَنّى وَتَوارى أَشتَهيهِ
ما الَّذى حَبَّبَهُ عِندى وَما بَغَّضَنيهِ
أَأَنا الشَخصُ الَّذى أَعرَضَ عَنهُ لَستُ أَدري
رُبَّ شَخصٍ عُشتُ مَعهُ زَمَناً أَلهو وَأَمرَح
أَو مَكانٍ مَرَّ دَهر وَهوَ لى مَسرى وَمَسرَح
لاحَ لى فى البُعدِ أَجلى مِنهُ فى القُرب وَأَوضَح
كَيفَ يَبقى رَسمُ شَيءٍ قَد تَوارى لَستُ أَدري
رُبَّ بُستانٍ قَضَيتُ العُمرَ أَحمى شَجَرَه
وَمَنعتُ الناسَ أَن تَقطِفَ مِنهُ زَهرَه
جاءَتِ الأَطيارُ فى الفَجرِ فَناشَت ثَمَرَه
أَلِأَطيارِ السَما البُستانُ أَم لى لَستُ أَدري
رُبَّ قُبحٍ عِندَ زَيدٍ هُوَ حُسنٌ عِندَ بَكرِ
فَهُما ضِدّانِ فيه وَهو وَهمٌعِندَ عَمرِ
فَمَنِ الصادِقُ فيما يَدَّعيهِ لَيتَ شِعري
وَلِماذا لَيسَ لِلحُسنِ قِياسٌ لَستُ أَدري
قَد رَأَيتُ الحُسنَ يُنسى مِثلَما تُنسى العُيوبُ
وَطُلوعُ الشَمسِ يُرجى مِثلَما يُرجى الغُروبُ
وَرَأَيتُ الشَرَّ مِثلَ الخَيرِ يَمضى وَيَأوبُ
فَلِماذا أَحسَبُ الشَرَّ دَخيلاً لَستُ أَدري
إِنَّ هَذا الغَيثَ يَهمى حينَ يَهمى مُكرَها
وَزُهورُ الأَرضِ تُفشى مُجبَراتٍ عِطرَها
لا تَطيقُ الأَرضُ تَخفى شَوكَها أَو زَهرَها
لا تَسَل أَيَّهُما أَشهى وَأَبهى لَستُ أَدري
قَد يَصيرُ الشَيكُ إِكليلاً لِلمَلكٍ أَو نَبي
وَيَصيرُ الوَردُ فى عُروَةِ لِصٍّ أَو بَغي
أَيَغارُ الشَوكُ فى الحَقلِ مِنَ الزَهرِ الجَني
أَم تُرى يَحسَبَهُ أَحقَرَ مِنهُ لَستُ أَدري
قَد يَقينى الخَطَرَ الشَوكُ الَّذى يَجرَحُ كَفّي
وَيَكونُ السُمُّ فى العِطرِ الَّذى يَملَءُ أَنفي
إِنَّما الوَردُ هُوَ الأَفضَلُ فى شَرعى وَعُرفي
وَهوَ شَرعٌ كُلُّهُ ظُلم وَلَكِن لَستُ أَدري
قَد رَأَيتُ الشُهبَ لا تَدرى لِماذا تُشرِقُ
وَرَأَيتُ السُحبَ لا تَدرى لِماذا تُغدِقُ
وَرَأَيتُ الغابَ لا تَدرى لِماذا تورِقُ
فَلِماذا كُلُّها فى الجَهلِ مِثلى لَستُ أَدري
كُلَّما أَيقَنتُ أَنّى قَد أَمَطتُ السِترَ عَنّي
وَبَلَغتُ السِرَّ سِرّى ضَحِكَت نَفسِى مِنّي
قَد وَجَدتُ اليَأس وَالحَيرَةَ لَكِن لَم أَجِدني
فَهَلِ الجَهلُ نَعيمٌ أَم جَحيمٌ لَستُ أَدري
لَذَّةٌ عِندِى أَن أَسمَعَ تَغريدَ البَلابِل
وَحَفيفَ الوَرَقِ الأَخضَرِ أَو هَمسَ الجَداوِل
وَأَرى الأَنجُمَ فى الظَلماءِ تَبدو كَالمَشاعِل
أَتُرى مِنها أَمِ اللَذَّةُ مِنّى لَستُ أَدري
أَتُرانى كُنتُ يَوماً نَغَماً فى وَتَرِ
أَم تُرانى كُنتُ قَبلاً مَوجَةً فى نَهرِ
أَم تُرانى كُنتُ فى إِحدى النُجومِ الزُهرِ
أَم أَريجاً أَم حَفيفاً لَستُ أَدري
فِى مِثلُ البَحرِ أَصداف وَرَمل وَلَآل
فِى كَالأَرضِ مُروج وَسُفوح وَجِبال
فِى كَاجَوِّ نُجوم وَغُيوم وَظِلال
هَل أَنا بَحر وَأَرض وَسَماءٌ لَستُ أَدري
مِن شَرابى الشَهد وَالخَمرَة وَالماءُ الزُلال
مِن طَعامى البَقل وَالأَثمار وَاللَحمُ الحَلال
كَم كِيانٍ قَد تَلاشى فى كِيانى وَاِستَحال
كَم كِيانٍ فيهِ شَيءٌ مِن كِيانى لَستُ أَدري
أَأَنا أَفصَحُ مِن عُصفورَةِ الوادى وَأَعذَب
وَمِنَ الزَهرَةِ أَشهى وَشَذى الزَهرَةِ أَطيَب
وَمِنَ الحَيَّةِ أَدهى وَمِنَ النَملَةِ أَغرَب
أَم أَنا أَوضَعُ مِن هَذى وَأَدنى لَستُ أَدري
كُلُّها مِثلِى تَحيا كُلُّها مِثلى تَموتُ
وَلَها مِثلى شَراب وَلَها مِثلِى قوتُ
وَاِنتِباه وَرُقاد وَحَديث وَسُكوتُ
فَبِما أَمتازُ عَنها لَيتَ شِعرى لَستُ أَدري
قَد رَأَيتُ النَملَ يَسعى مِثلَما أَسعى لِرِزقي
وَلَهُ فى العَيشِ أَوطار وَحَقٌّ مِثلُ حَقّي
قَد تَصاوى صَمتُهُ فى نَظَرِ الدَهر وَنُطقي
فَكِلانا صائِرٌ يَوماً إِلى ما لَستُ أَدري
أَنا كَالصَهباءِ لَكِن أَنا صَهبائى وَدَنّي
أَصلُها خافٍ كَأَصلى سِجنُها طينٌ كَسِجني
وَيُزاحُ الخَتمُ عَنها مِثلَما يَنشَقُّ عَنّي
وَهى لا تَفقَهُ مَعناها وَإِنّى لَستُ أَدري
غَلِطَ القائِلُ إِنَّ الخَمرَ بِنتُ الخابِيَه
فَهى قَبلَ الزِقِّ كانَت فى عُروقِ الدالِيَه
وَحَواها قَبلَ رَحمِ الكَرمِ رَحمُ الغادِيَه
إِنَّما مِن قَبلِ هَذا أَينَ كانَت لَستُ أَدري
هِى فى رَأسِى فِكر وَهِى فى عَينَى نورُ
وَهِى فى صَدرِى آمال وَفى قَلبى شُعورُ
وَهِى فى جِسمى دَمٌ يَسرى فيه وَيَمورُ
إِنَّما مِن قَبلِ هَذا كَيفَ كانَت لَستُ أَدري
أَنا لا أَذكُرُ شَيئاً مِن حَياتى الماضِيَه
أَنا لا أَعرِفُ شَيئاً مِن حَياتى الآتِيَه
لِى ذاتٌ غَيرَ أَنّى لَستُ أَدرى ماهِيَه
فَمَتى تَعرِفُ ذاتى كَنَهُ ذاتى لَستُ أَدري
إِنَّنى جِئت وَأَمضى وَأَنا لا أَعلَمُ
أَنا لُغز وَذَهابى كَمَجيإى طَلسَمُ
وَالَّذى أَوجَدَ هَذا اللُغزَ لُغزٌ مُبهَمُ
لا تُجادِل ذا الحِجا مَن قالَ إِنّى لَستُ أَدري